الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وما يقع بين أرباب المذاهب : أوفق ما يحمل الأمر فيه : بأن يخرج مخرج الإعادة والدرس ، وأما اجتماع متجادلين كل منهم لا يطمع أن يرجع إن ظهرت حجة ولا فيه مؤانسة ، و ) لا فيه ( مودة وتوطئة القلوب لوعي حق : فمحدث مذموم ) قال ابن هبيرة : الجدل الذي يقع بين أرباب المذاهب أوفق ما يحمل الأمر فيه : بأن يخرج مخرج الإعادة والدرس ، فأما اجتماع جمع متجاذبين في مسألة ، مع أن كلا منهم لا يطمع أن يرجع إن ظهرت حجة ، ولا فيه مؤانسة ومودة ، وتوطئة القلوب لوعي حق ، بل هو على الضد ، فتكلم فيه العلماء - كابن بطة - وهو محدث ، قال ابن مفلح : وما قاله صحيح ، وذكره بعضهم عن العلماء ، وعليه يحمل ما رواه أحمد والترمذي وصححه عن أبي غالب - وهو مختلف فيه - عن أبي أمامة مرفوعا { ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، ثم تلا { ما ضربوه لك [ ص: 580 ] إلا جدلا } } ولأحمد عن مكحول عن أبي هريرة - ولم يسمع منه مرفوعا - { لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك المراء ، وإن كان محقا } وللترمذي عن ابن عباس مرفوعا { لا تمار أخاك } ولأبي داود بإسناد حسن عن أبي أمامة مرفوعا { أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا } ولابن ماجه والترمذي - وحسنه - عن سلمة بن وردان - وهو ضعيف - عن أنس مرفوعا { من ترك المراء وهو محق بني له بيت في وسط الجنة } ( ولولا ما يلزم من إنكار الباطل واستنقاذ الهالك بالاجتهاد في رده عن ضلالته لما حسن ) أي الجدال ( للإيحاش غالبا ، لكن فيه أعظم المنفعة مع قصد نصرة الحق ، أو ) قصد ( التقوي على الاجتهاد لا المغالبة ، وبيان الفراهة ) نعوذ بالله منهما ( فإن طلب الرياسة و ) طلب ( التقدم بالعلم يهلك . والمعول فيه : على إظهار الحجة ، وإبطال الشبهة ، فيرشد المسترشد ، ويحذر المناظر )

قال ابن عقيل في الواضح : وكل جدل لم يكن الغرض فيه نصرة الحق فإنه وبال على صاحبه ، والمضرة فيه أكثر من المنفعة ; لأن المخالفة توحش ، ولولا ما يلزم من إنكار الباطل ، واستنقاذ الهالك بالاجتهاد في رده عن ضلالته ، لما حسنت المجادلة للإيحاش فيها غالبا ، ولكن فيها أعظم المنفعة إذا قصد بها نصرة الحق ، والتقوي على الاجتهاد ونعوذ بالله من قصد المغالبة ، وبيان الفراهة وينبغي أن يجتنبهما ، وقال ابن الجوزي : طلب الرياسة والتقدم بالعلم يهلك ، ثم ذكر اشتغال أكثرهم في الجدل ، ورفع أصواتهم في المساجد ، وإنما المقصود الغلبة والرفعة ، وإفتاء من ليس أهلا وقال أيضا في قوله تعالى { فلا ينازعنك في الأمر } أي في الذبائح . والمعنى : فلا تنازعهم ، ولهذا قال : { وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون } قال : وهذا أدب حسن ، علمه الله - تعالى - عباده ليردوا به من جادلهم به تعنتا ولا يجيبوه ( فلو ) ( بان له سوء قصد خصمه ) ( توجه تحريم مجادلته ) قال ابن مفلح : توجه في تحريم مجادلته خلاف ، كدخول من لا جمعة عليه في البيع مع من تلزمه لنا فيه وجهان قال في شرح التحرير : قلت : والصحيح من المذهب التحريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية