الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) ينبغي ( أن لا يتكلم في المجالس التي لا إنصاف فيها ) قال في الواضح : [ ص: 586 ] فصل : قال العلماء : احذر الكلام في مجالس الخوف ، فإن الخوف يذهل العقل الذي منه يستمد المناظر حجته ، ويستقي منه الرأي في دفع شبهات الخصم ، وإنما يذهله ويشغله بطلبه حراسة نفسه ، التي هي أهم من مذهبه ودليل مذهبه ، فاجتنب مكالمة من تخاف ، فإنها مميتة للخواطر ، مانعة من التثبت ، واحذر مكالمة من اشتد بغضك إياه ، فإنها داعية إلى الضجر والغضب ، من قلة ما يكون منه والضجر ، والغضب مضيق للصدر ، ومضعف لقوى العقل ، واحذر المحافل التي لا إنصاف فيها في التسوية بينك وبين خصمك في الإقبال والاستماع ، ولا أدب لهم يمنعهم من الشرع إلى الحكم عليك ، ومن إظهار العصبية لخصمك .

والاعتراض يخلق الكلام ، ويذهب بهجة المعاني بما يلجأ إليه من كثرة الترداد . ومن ترك الترداد مع الاعتراض : انقطع كلامه وبطلت معانيه ، واحذر استصغار خصمك ، فإنه يمنع من التحفظ ، ويثبط عن المغالبة ، ولعل الكلام يحكى فيعتد عليك بالتقصير ، واحذر كلام من لا يفهم عنك ، فإنه يضجرك ويغضبك إلا أن يكون له غريزة صحيحة ، ويكون الذي بطأ به عن الفهم فقد الاعتياد ، فهذا خليل مسترشد فعلمه ، وليس بخصم فتجادله وتنازعه . وقدر في نفسك الصبر والحلم لئلا تستفزك بغتات الإغضاب ، فلو لم يكن في الحلم خاصة تجتلب ، لكانت معونة على المناظرة توجب إضافته إليها ، ومع هذا فليس يسلم أحد من الانقطاع إلا من قرنه الله - تعالى - بالعصمة من الزلل ، وليس حد العالم : أن يكون حاذقا بالجدل ، فالعلم بضاعة ، والجدل صناعة ، إلا أن مادة الجدل والمجادل تحتاج إلى العالم ، والعالم لا يحتاج في علمه إلى المجادل ، كما يحتاج المجادل في جدله إلى العالم . وليس حد الجدل بالمجادلة : أن لا ينقطع المجادل أبدا ، أو لا يكون منه انقطاع كثير إذا كثرت مجادلته . ولكن المجادل : من كان طريقه في الجدل محمودا ، وإن ناله الانقطاع لبعض الآفات التي تعرف .

التالي السابق


الخدمات العلمية