الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) الفعل الواحد بالشخص ( من جهتين ، كصلاة في مغصوب ) ( ، لا ) يستحيل كونه واجبا وحراما ( ولا تصح ولا يسقط الطلب بها ) أي بالصلاة في المغصوبة من بقعة أو سترة . وإلى هذا ذهب الإمام أحمد رضي الله عنه وأكثر أصحابه والظاهرية والزيدية والجبائية . وقاله أبو شمر الحنفي . وحكاه الماوردي عن أصبغ المالكي . وهو رواية عن مالك . ووجه لأصحاب الشافعي ( و ) كذا ( لا ) يسقط الطلب ( عندها ) أي عند فعلها .

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني ، والفخر الرازي : يسقط الطلب عندها لا بها . قال في المحصول : لأن السلف أجمعوا على أن الظلمة لا يؤمرون بقضاء الصلاة المؤداة في الدار المغصوبة ، ولا طريق إلى التوفيق بينهما إلا بما ذكرنا . قال : وهو مذهب القاضي أبي بكر . قال الصفي الهندي : الصحيح أن القاضي إنما يقول بذلك لو ثبت القول بصحة الإجماع على سقوط القضاء . فإذا لم يثبت ذلك فلا نقول بسقوط الطلب بها ولا عندها . انتهى . وقد منع الإجماع [ ص: 123 ] أبو المعالي وابن السمعاني وغيرهما .

وقد رد الطوفي ما قاله الباقلاني ، فقال : لأنه لما قام الدليل عند الباقلاني على عدم الصحة ، ثم ألزمه الخصم بإجماع السلف على أنهم لم يأمروا الظلمة بإعادة الصلوات ، مع كثرة وقوعها منهم في أماكن الغصب ، فأشكل عليه ، فحاول الخلاص بهذا التوسط ، فقال : يسقط الفرض عند هذه الصلاة للإجماع المذكور لا بها . لقيام الدليل على عدم صحتها ، ثم قال : وأحسب أن هؤلاء الذين ادعوا الإجماع بنوه على مقدمتين . إحداهما : أن مع كثرة الظلمة في تلك الأعصار عادة لا تخلو عن إيقاع الصلاة في مكان غصب من بعضهم .

الثانية : أن السلف يمتنع عادة تواطؤهم على ترك الإنكار ، والأمر بالإعادة من بناء هؤلاء على ما ظنوه من دليل البطلان ، وإلا فلا إجماع في ذلك منقول ، تواترا ولا آحادا . والمقدمتان المذكورتان في غاية الضعف والوهن . انتهى .

قال ابن قاضي الجبل : قال الباقلاني : لو لم تصح لما سقط التكليف .

وقد سقط بالإجماع ، لأنهم لم يؤمروا بقضاء الصلوات ، قيل : لا إجماع في ذلك لعدم ذكره ونقله . كيف ؟ وقد خالف الإمام أحمد ومن معه ، وهو إمام النقل ، وأعلم بأحوال السلف ؟ ولأنه ينقض الإجماع بدونه وقال أيضا : قول الباقلاني " يسقط الفرض عندها لا بها " باطل لأن مسقطات الفرض محصورة ، من نسخ أو عجز أو فعل غيره . كالكفاية ، وليس هذا منها . انتهى .

وعند أحمد رواية أخرى : أن فعل الصلاة يحرم ، وتصح ، وهو قول مالك والشافعي رضي الله عنهما واختاره من أصحابنا الخلال وابن عقيل والطوفي ، نظرا إلى جنسها لا إلى عين محل النزاع فتكون هذه الصلاة واجبة حراما باعتبارين ، فتكون صحيحة ، لأن متعلق الطلب ومتعلق النهي في ذلك متغايران ، فكانا كاختلاف المحلين ، لأن كل واحدة من الجهتين مستقلة عن الأخرى ، واجتماعهما إنما هو باختيار المكلف . فليسا متلازمين فلا تناقض .

وعلى القول بالصحة لا ثواب فيها . نقل ابن القاسم عن أحمد : لا أجر لمن غزا على فرس غصب . وصرح بعدم الثواب في الصلاة القاضي أبو يعلى وأبو الخطاب في التمهيد وجمع . ذكره في الفروع في باب ستر العورة ، وقاله الشيخ تقي الدين وغيره : في حج ، وقدمه التاج السبكي . وعن [ ص: 124 ] الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه رواية ثالثة : أن المصلي إن علم التحريم لم تصح ، وإلا صحت . ووجه المذهب - وهو عدم الصحة مطلقا - أنه متى أخل مرتكب النهي بشرط العبادة أفسدها ، ونية التقرب بالصلاة شرط ، والتقرب بالمعصية محال . وأيضا من شرط الصلاة : الطاعة ونيته بها أداء الواجب ، وحركته معصية ، ونية أداء الواجب بما يعلمه غير واجب محال . وأيضا من شرط الصلاة : إباحة الموضع ، وهو محرم . فهو كالنجس . ولأن الأمر بالصلاة لم يتناول هذه المنهي عنها ، فلا يجوز كونها واجبة من جهة أخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية