الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
، وقال أصحاب أحمد لو قال الأعجمي لامرأته أنت طالق وهو لا يفهم معنى هذه اللفظة لم تطلق ; لأنه ليس مختارا للطلاق ، فلم يقع طلاقه كالمكره ، قالوا : فلو نوى موجبه عند أهل العربية لم يقع أيضا ; لأنه لا يصح منه اختيار ما لا يعلمه ، وكذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر ، وفي مصنف وكيع أن عمر بن الخطاب قضى في امرأة قالت لزوجها سمني فسماها الطيبة ، فقالت : لا ، فقال لها : ما تريدين أن أسميك ؟ قالت : سمني خلية طالق فقال لها : فأنت خلية طالق فأتت عمر بن الخطاب ، فقالت : إن زوجي طلقني ، فجاء زوجها فقص عليه القصة ، فأوجع عمر رأسها ، وقال لزوجها خذ بيدها وأوجع رأسها ، وهذا هو الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان ، وإن تلفظ بصريح الطلاق ، وقد تقدم أن الذي قال لما وجد راحلته : " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح ; لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر ; لكونه لم يرده ، والمكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته ، بخلاف المستهزئ والهازل ; فإنه يلزمه [ ص: 56 ] الطلاق والكفر وإن كان هازلا لأنه قاصد للتكلم باللفظ وهزله لا يكون عذرا له ، بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله أو مأذون له فيه ، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود ; فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل ، والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا ، بل صاحبه أحق بالعقوبة ، ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، ولم يعذر الهازل بل قال : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } وكذلك رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي .

التالي السابق


الخدمات العلمية