الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ سؤال القبر والتثبيت فيه ]

وقد جاء هذا مبينا في أحاديث صحاح ; فمنها ما في المسند من حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فقال : يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال : ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمنا قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول له : صدقت ، فيفتح له باب إلى النار فيقال له : هذا [ ص: 137 ] منزلك لو كفرت بربك ، فأما إذ آمنت فإن الله أبدلك به هذا ، ثم يفتح له باب إلى الجنة ، فيريد أن ينهض له ، فيقال له : اسكن ، ثم يفسح له في قبره ، وأما الكافر والمنافق فيقال له : ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، فيقال له : لا دريت ولا اهتديت ، ثم يفتح له باب إلى الجنة ، فيقال له : هذا منزلك لو آمنت بربك ، فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك به هذا ، ثم يفتح له باب إلى النار ، ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين ، قال بعض أصحابه : يا رسول الله ، ما منا من أحد يقوم على رأسه ملك بيده مطراق إلا هبل عند ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } } . وفي المسند نحوه من حديث البراء بن عازب

، وروى المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر قبض روح المؤمن فقال : يأتيه آت ، يعني في قبره ، فيقول : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : فينتهره فيقول : ما ربك ؟ وما دينك ؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حيث يقول الله : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } . فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، فيقال له : صدقت } وهذا حديث صحيح

; وقال حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين } قال : إذا قيل له في القبر : من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، جاءنا بالبينات من عند الله فآمنت به وصدقت ، فيقال له : صدقت ، على هذا عشت ، وعليه مت ، وعليه تبعث } .

وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو ، وعن زاذان عن البراء بن عازب قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وذكر قبض روح المؤمن ، قال : فترجع روحه في جسده ، ويبعث إليه ملكان شديدا الانتهار ، فيجلسانه وينتهرانه ويقولان : من ربك ؟ فيقول : الله ، وما دينك : فيقول : الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل أو النبي الذي بعث فيكم ؟ فيقول : محمد رسول الله ، فيقولان له : وما يدريك ؟ قال : فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ، فذلك قول الله تبارك وتعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } . ورواه ابن حبان في صحيحه ، والإمام أحمد وفي صحيحه أيضا من حديث أبي هريرة يرفعه قال : { إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين ، فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه ، والزكاة عن يمينه ، وكان الصيام عن يساره ، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس [ ص: 138 ] عند رجليه ، فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل ، فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل ، فيؤتى عن يساره فيقول الصيام : ما قبلي مدخل ، فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس : ما قبلي مدخل ، فيقال له : اجلس ، فيجلس قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب فيقول له : أخبرنا عن ما نسألك عنه ، فيقول : دعوني حتى أصلي ، فيقال : إنك ستفعل ، فأخبرنا عما نسألك ، فيقول : وعم تسألوني ؟ فيقال له : أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ، ماذا تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول : أمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال : نعم ، فيقول : أشهد أنه رسول الله ، وأنه جاء بالبينات من عند الله فصدقناه ، فيقال له : على ذلك حييت ، وعلى ذلك مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له فيه ، ثم يفتح له باب إلى الجنة ، فيقال له : انظر إلى ما أعد الله لك فيها ، فيزداد غبطة وسرورا ، ثم تجعل نسمته في النسم الطيب ، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة ، ويعاد الجسد إلى ما بدأ منه من التراب . وذلك قول الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } ولا تستطيل هذا الفصل المعترض في المفتي والشاهد والحاكم ، بل وكل مسلم أشد ضرورة إليه من الطعام والشراب والنفس ، وبالله التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية