الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالث : أن قولهم : الخبر ما يحتمل الصدق والكذب ، هل هو خاص بالكلام الذي له خارج عن كلام النفس أم يجري في لفظ " خ ب ر " ؟ وقد اضطرب كلام الفقهاء في الثاني ، فجعلوه في مواضع كثيرة مخصوصا بالصدق ، ولهذا لو قال : إن لم تخبريني بعدد هذا النوى فأنت طالق ، ولم يكن قصده التمييز ، فلا يكتفي بأي عدد كان ، إن كان المعلق عليه لفظ الإخبار ، ويوافقه قول الماوردي في الحاوي " : أنه لا فرق بين البشارة والخبر ، فيما إذا علق الطلاق عليه في أنه يعتبر الصدق في وقوع الطلاق فيهما ، وما ذكره في البشارة صحيح ، وأما في الخبر فكلامهم مختلف فيه ، فقد قالوا فيما لو قال : إن لم تخبريني بمجيء زيد ، فأنت طالق ، فأخبرته بمجيئه كاذبة أنها لا تطلق ; لوجود الإخبار بقدومه ، وهو لا يشترط فيه المطابقة .

                                                      ولو [ ص: 80 ] قال : من أخبرتني منكما بكذا فهي طالق ، فأخبرتاه صدقتا أو كذبتا طلقتا ، وجعل الفوراني الخبر للصدق فقط إذا قرن بحرف الباء ; لأنه للإلصاق ، فيقتضي وجود المخبر به حتى يلصق به الخبر ، فإذا قال : إن أخبرتني أن فلانا قدم فعبدي حر ، فأخبره صادقا أو كاذبا ، عتق العبد ، ولو قال : إن أخبرتني بقدوم فلان فعبدي حر ، فأخبره كاذبا لا يحنث عند الفوراني وخالفه الجمهور ، وفي فتاوى القفال " لو قال رجل لآخر : إن أخبرتني بخروج فلان من هذا البلد ، فلك عشرة دراهم ، فأخبره هل يستحق العشرة ؟ نظر ، إن كان له غرض في خروجه من البلد استحق ، وإلا فلا ، والنكتة في الجعالة ، فقد حكاه عنه الرافعي ثم بحث معه في شيئين : أحدهما : أنه هل يتقيد الخبر بالصدق ؟ فلو كان كاذبا ينبغي أن لا يستحق شيئا ; لانتفاء المعنى الذي علل به . قلت : ولعل القفال يخص ذلك بحالة وجود الباء ، كما حكيناه عن تلميذه الفوراني ، والثاني : ينبغي أن ينظر هل يناله تعب أم لا ؟ قلت : وقد حكى النووي في الروضة " من زوائده قبل هذا تصريح البغوي أنه لو قال : من أخبرني بكذا ، فله كذا ، فأخبره إنسان فلا شيء [ ص: 81 ] له ; لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل . ا هـ . فجعل هذا من زوائده ، وأقر الرافعي على البحث الثاني هناك ، ويتحصل في المسألة مذاهب ثالثها : إن اقترن بالباء وإلا فلا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية