الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      المرتبة الخامسة : أن يقول رخص لنا . المرتبة السادسة : أن يقول من السنة كذا ، فالذي عليه الأكثرون أنه يفهم منه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون حجة . قاله القاضي أبو الطيب : وهو ظاهر مذهب الشافعي ; لأنه احتج على قراءة الفاتحة بصلاة ابن عباس على عبادة وقرأ بها وجهر ، وقال : إنما فعلت لتعلموا أنها سنة ، وقال ابن السمعاني : إنه مذهب الشافعي . وقال ابن فورك : قال الشافعي في القديم : إنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر ، وإن جاز خلافه . وقال في الجديد : يجوز أن يقال ذلك على معنى سنة البلد ، وسنة الأئمة فلا نجعله أصلا حتى يعلم ، ولما عدل الصحابي عن الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظا إلى كلام آخر ، علم أنه إنما أراد أن يدلنا على أنه فهم ذلك المعنى من صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم . ا هـ .

                                                      وقال سليم الرازي في " التقريب " : إن الشافعي نص عليه في القديم ، وتوقف فيه في الجديد ، فقال : هو محتمل ، وبه قال أبو بكر الصيرفي ، [ ص: 302 ] والمذهب الأول ، وهكذا حكاه المازري عن الشافعي في " شرح البرهان " ، فقال : اختلف قول الشافعي فقال في القديم : هو مرفوع في الظاهر . وقال في الجديد : هو محتمل ، ولم يره مسندا . وهكذا قال أبو الحسين بن القطان : اختلف قول الشافعي في قول الراوي : من السنة كذا ، فكان يقول في القديم : إنه يريد سنة النبي . قال : وعلى معنى قوله : أمرنا ونهينا ; لأن الظاهر أن هذا لا يكون إلا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان يجوز خلافه قال ذلك في دية المرأة إلى ثلث دية الرجل ، واحتج بأن قال : ورجع عن هذا في الجديد ، فقال : قد يجوز أن يقال سنة البلد ، وسنة الأمير ، وأمرنا الأمير ، وأمرنا الأئمة . فلا يجعل أصلا ، حتى يعلم جملته ، وقال عمر للصبي بن معبد : هديت لسنة نبيك ، وإنما أراد بذلك الحق من سنة النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .

                                                      وهكذا قال الصيدلاني في " شرح مختصر المزني " في باب أسنان إبل الخطأ : إنه حجة على القول القديم ، والجديد أنه ليس بحجة ، فعلى هذا : المسألة عندهم مما يفتى فيها على القديم ، وهو نوع غريب في المسائل الأصولية ، وإن كثر ذلك في الفروع . قلت : لكن نص الشافعي في " الأم " وهو من الكتب الجديدة على أنه حجة ، فقال في باب عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضحاك ما نصه : قال الشافعي : وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . لا يقولان السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ا هـ . وحينئذ [ ص: 303 ] فيصير في الجديد قولان ، والراجح أنه حجة ; لأنه منصوص عليه في القديم والجديد معا ، وقد سبق كلام القاضي أبي الطيب أيضا ، وقد جزم به الإمام الرافعي في كتاب التيمم في شرحه .

                                                      وقال النووي في مقدمة " شرح المهذب " : إنه المذهب الصحيح المشهود ، وجرى عليه الآمدي والإمام والمتأخرون . وشرط الحاكم وأبو نعيم في علومهما كون الصحابي معروفا بالصحبة ، وفيه إشعار أن من قصرت صحبته لا يكون كذلك ، وذهب الكرخي والرازي والصيرفي إلى أنه ليس بحجة ; لأن المتلقى من القياس قد يقال إنه سنة لإسناده إلى الشرع ، وذكر إمام الحرمين في " البرهان " أن عليه المحققين ، وجرى عليه ابن القشيري . وفي المسألة قول ثالث : أنه في حكم الوقوف ، ونقله ابن الصلاح والنووي عن الإمام أبي بكر الإسماعيلي . أما لو قال التابعي : من السنة كذا ، فظاهر نص الشافعي السابق أنه ليس في حكم المرفوع . ونقل الرافعي عنه في باب الإعسار بالنفقة أنه جعل قول سعيد بن المسيب في العاجز عن النفقة يفرق بينه وبين امرأته ، فحمل [ ص: 304 ] قول سعيد : سنة ، على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أخذ في القديم في المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية بقول سعيد : من السنة . فقد تضافر قوله في القديم والجديد على ذلك ، لكن قال الصيدلاني في الجنايات : إن الشافعي كان يرى أن ذلك مرفوع إذا صدر من الصحابي والتابعي ، ثم رجع عنه ; لأنهم قد يطلقونه ، ويريدون سنة البلد . انتهى . فتلخص فيها ثلاثة أقوال . وأطلق ابن السمعاني أن قول الراوي : من السنة كذا ، حجة في مذهب الشافعي . قال : ثم إن كان الراوي صحابيا وجب العمل به ، وإن كان تابعيا كانت روايته مرسلة ، فحكمها حكم المراسيل ، وكذا قال القاضي أبو الطيب في " شرح الكفاية " : قول التابعي من السنة كذا في حكم المراسيل ، إن كان قائله سعيد بن المسيب فهو حجة ، وإلا فلا .

                                                      وعنه في باب صلاة الجمعة والعيدين من تعليقه حكاية وجهين أصحهما وأشهرهما أنه موقوف على بعض الصحابة . وثانيهما : أنه مرفوع مرسل . وقال بعض شراح " اللمع " : إن كان قائله صحابيا فهو حجة ، وإن كان غيره من التابعين ، فإن كان غير سعيد بن المسيب فليس بحجة قطعا ، وإن كان سعيد بن المسيب فهو حجة على المذهب . وكذا حكى ابن الصباغ في العدة " الوجهين في قول سعيد خاصة الخلاف في قبول مرسله . وقال ابن عبد البر في " التقصي " : إذا أطلق الصحابي السنة ، فالمراد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها ، كقولهم : سنة العمرين ، ونحو ذلك .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية