الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة هل يجب على العامي التزام تقليد معين في كل واقعة ؟ فيه وجهان [ ص: 374 ] قال إلكيا : يلزمه . - وقال ابن برهان : لا ، ورجحه النووي في ( أوائل القضاء ) وهو الصحيح ، فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم من غير تقليد . وقد رام بعض الخلفاء زمن مالك حمل الناس في الآفاق على مذهب مالك فمنعه مالك واحتج بأن الله فرق العلم في البلاد بتفريق العلماء فيها ، فلم ير الحجر على الناس ، وربما نودي : " لا يفتى أحد ومالك بالمدينة " قال ابن المنير : وهو عندي محمول على أن المراد : لا يفتى أحد حتى يشهد له مالك بالأهلية . وذكر بعض الحنابلة أن هذا مذهب أحمد ، فإنه قال لبعض أصحابه : لا تحمل على مذهبك فيحرجوا ، دعهم يترخصوا بمذاهب الناس . وسئل عن مسألة من الطلاق فقال : يقع يقع ، فقال له القائل : فإن أفتاني أحد أنه لا يقع ، يجوز ؟ قال : نعم ودله على حلقة المدنيين في الرصافة . فقال : إن أفتوني جاز ؟ قال : نعم . وقد كان السلف يقلدون من شاءوا قبل ظهور المذاهب الأربعة ، وقد قال النبي الصلاة والسلام عليه { إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه } . - وتوسط ابن المنير فقال : الدليل يقتضي التزام مذهب معين بعد الأئمة الأربعة ، لا قبلهم . والفرق أن الناس كانوا قبل الأئمة الأربعة لم يدونوا مذاهبهم ولا كثرت الوقائع عليهم ، حتى عرف مذهب كل واحد منهم في كل الوقائع وفي أكثرها ، وكان الذي يستفتي الشافعي - مثلا - لا علم له بما يقوله المفتي ، لأنه لم يشتهر مذهبه في تلك الواقع ، أو لأنها ما وقعت له قبل ذلك ، فلا يتصور أن يعضده إلا سر خاص ، وأما بعد أن فهمت المذاهب ودونت واشتهرت وعرف المرخص من المشدد في كل [ ص: 375 ] واقعة ، فلا ينتقل المستفتي - والحالة هذه - من مذهب إلى مذهب إلا ركونا إلى الانحلال والاستسهال . وحكى الرافعي عن أبي الفتح الهروي أحد أصحاب الإمام أن مذهب عامة أصحابنا أن العامي لا مذهب له .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية