الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 61 ] النظر لغة الانتظار ، وتقليب الحدقة نحو المرئي ، والرحمة ، والتأمل . ويتميز بالمعدي من حروف الجر . وفي الاصطلاح : الفكر المؤدي إلى علم أو ظن . قال إمام الحرمين في الشامل " : الفكر هو انتقال النفس من المعاني انتقالا بالقصد ، وذلك قد يكون بطلب علم أو ظن ، فيسمى نظرا . وقد لا يكون كأكثر حديث النفس ، فلا يسمى نظرا بل تخيلا وفكرا . والفكر أعم من النظر . فالحاصل أن قصد الناظر الانتقال من أجزاء الحد ، وقال في البرهان " : حقيقة النظر تردد في أنحاء الضروريات ومراتبها ، وقال فيما بعد : عندنا مباحثة في أنحاء الضروريات ومراتبها وأساليبها ، وقد اعترف فيما بعد أن الضروريات تنقسم إلى هاجم عليه ، ويسمى ضروريا . وإلى ما يحتاج إلى فكر ، فيسمى نظريا . قيل : وهذا نقض لقوله : إن كلها ضرورية . وأما حصر النظر في الضروريات فلا يستقيم ، فإنه قد يكون في غير الضروريات ضرورة ، ثم هو منقوض بالشك [ ص: 62 ] وقال القاضي أبو بكر : النظر هو الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو ظنا ، وهو مطرد في القاطع والظني . واحترز بقوله : " به " من بقية الصفات ، فإنه لا يطلب بها بل عندها ، فيكون شرطا للطلب . كذا حكاه عنه الآمدي واستحسنه ، وأجاب عما اعترض به عليه ، ثم اختار خلافه ، وليس لشيء واحد حدان مختلفان . وقال الأستاذ أبو منصور : هو الفكر في الشيء المنظور فيه طلبا ، لمعرفة حقيقة ذاته أو صفة من صفاته ، وقد يفضي إلى الصواب إذا رتب على وجهه ، وقد يكون خطأ إذا خولف ترتيبه . وقال الغزالي في الاقتصاد " : إذا أردت إدراك العلم المطلوب فعليك وظيفتان : إحداهما ، إحضار الأصلين أي : المقدمتين في ذهنك . وهذا يسمى فكرا . والآخر يسوقك إلى التفطن . لوجهة لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمى طلبا . قال : فلذلك من جرد التفاته إلى الوظيفة الأولى جد النظر بأنه الفكر ، ومن جرد التفاته إلى الثانية قال : إنه طلب علم أو غلبة ظن . قال : ومن التفت إلى الأمرين جميعا قال : إنه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظن . قالوا : ولا يستعمل إلا فيما يمكن أن يحصل [ ص: 63 ] له صورة في القلب ، ولذلك ورد ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ) . وقال بعض الأذكياء : الفكر مقلوب الفرك غير أن الفكر لا يستعمل إلا في المعاني . وقال القاضي أبو يعلى في كتابه المعتمد الكبير " : النظر والاستدلال معنى غير الفكر والروية ، بل يوجد عقبه . خلافا للمعتزلة في قولهم : إنهما بمعنى واحد ، ولنا أن الإنسان يفكر أولا في الجسم . هل هو قديم أو حادث ؟ وما دام مفكرا فهو شاك ، ثم ينظر بعد ذلك في الدليل ، وحينئذ يلزم أن يكون النظر والفكر متغايرين . قال الروياني في البحر " : والفرق بين الجدال والنظر وجهان : أحدهما : أن النظر : طلب الصواب ، والجدال : نصرة القول . والثاني : النظر : الفكر بالقلب والعقل ، والجدال : الاحتجاج باللسان

                                                      ، والله أعلم .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية