الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ النقصان من العبادة هل هو نسخ لها ؟ ]

                                                      لا خلاف أن النقصان من العبادة نسخ لما أسقط منها ، لأنه كان واجبا في جملة العبادة ، ثم أزيل وجوبه ، وأما بالنسبة إلى نسخ الباقي فينظر ، فإن كان مما لا تتوقف صحتها عليه كسنة من سننها ، فلا خلاف أيضا أنه ليس بنسخ للعبادة ، نقله الآمدي ، والرازي . لكن الغزالي في كلامه ما يشعر بجريان الخلاف فيه ، وبه صرح الشيخ في " اللمع " .

                                                      وإن كان مما يتوقف عليه صحتها من شرط أو غيره ، فاختلفوا فيه على مذاهب ، أصحها أنه ليس بنسخ للعبادة ، ويكون بمثابة تخصيص العموم . قال ابن برهان : وهو قول علمائنا ، وقال ابن السمعاني : إليه ذهب جمهور أصحاب الشافعي ، واختاره الرازي ، والآمدي ، وقال الأصفهاني : إنه الحق ، وحكاه صاحب " المعتمد " عن الكرخي . وقيل : نسخ لها . وحكاه ابن برهان ، وابن السمعاني عن الحنفية .

                                                      وفصل القاضي عبد الجبار بين الشرط المنفصل فلا يكون نسخا لها ، فنسخ الوضوء لا ينسخ الصلاة ، وبين الجزء كالقيام والركوع في الصلاة كان نسخا لها ، ووافقه الغزالي في الجزء ، وتردد في الشرط ، وصححه القرطبي ، لأن الشرط خارج عن ماهية المشروط بخلاف الجزء . أما المنفصل فلا خلاف فيه ، لأنهما عبادتان منفصلتان ، وقيل به مطلقا لزوال إجزائها [ ص: 316 ] بدونه ، وقيل : إن كان مما لا تجزئ العبادة قبل النسخ إلا به فينسخ ، سواء الجزاء والشرط ، وإن كان مما تجزئ العبادة قبل النسخ مع عدمه كالوقوف عن يمين الإمام ، وستر الرأس ، فليس بنسخ حكاه الشيخ في " اللمع " .

                                                      وقال إلكيا : الذي يجب أن يقال هنا نحو ما سبق في الزيادة على النص ، وجعل الهندي الخلاف في الشرط المتصل نحو الاستقبال ، فأما المنفصل كالوضوء ، قال : فإيراد الإمام وغيره يشعر بأنه لا خلاف فيه ، وكلام غيره يقتضي إثبات الخلاف في الكل .

                                                      قلت : وبالأول صرح صاحب " المسودة " ، فقال : الخلاف في المتصل كالتوجه ، فأما المنفصل كالوضوء فلا يكون نسخا لها إجماعا ، لكن ابن السمعاني طرد الخلاف في الكل ، فقال : صورة المسألة فيما لو قدرنا نسخ الوضوء أو نسخ استقبال القبلة ، وفي هذا وأمثاله يكون الكلام ظاهرا في أنه لا يكون نسخا للصلاة . قال : فأما في إسقاط الجزء كالركوع فينبغي أن يكون على ما ذكرناه فيما إذا زيدت ركعة على ركعتين ، يشير إلى أنه يجيء هنا مذهب عبد الجبار من التفصيل بين أن [ يكون النسخ ] لغير المزيد عليه أو لا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية