الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                تذنيب فيما تقدم عند الاجتماع من غير الديون اجتمع محدث . وجنب . وحائض . وذو نجاسة . وميت ، وهناك ماء مباح . أو موصى [ ص: 336 ] به لأحوج الناس إليه ، ولا يكفي إلا أحدهم . قدم الميت على الجميع ; لأنه خاتمة أمره ، فخص بأكمل الطهارتين ; ولأن القصد من غسله تنظيفه ، ولا يحصل بالتراب . والقصد من طهارة الأحياء : استباحة الصلاة ، وهو حاصل بالتيمم . ويقدم بعده من عليه نجاسة ; لأنه لا بدل لطهارته ، ثم الحائض ; لأن حدثها أغلظ .

                وفي وجه : يقدم الجنب عليها ; لأن غسله منصوص عليه في القرآن ، ولاختلاف الصحابة في صحة تيمم الجنب دونها . وفي وجه : يستويان ، فيقرع بينهما .

                وقيل : يقسم ويقدم الجنب على المحدث إن لم يكف الماء واحدا منهما أو كفى كلا منهما أو كفى الجنب فقط ، وإن كفى المحدث فقط : قدم ، فإن كان معهم ظامئ ، قدم على الميت لبقاء الروح . اجتمع مغتسل لجمعة ، وغسل الميت فإن قلنا : غسل الجمعة آكد . قدم ، أو غسل الميت قدم . اجتمع حدث ، وطيب : وهو محرم ، فإن أمكن غسل الطيب بعد الوضوء ، فذاك وإلا قدم غسل الطيب ; لأنه لا بدل له ، والوضوء له بدل .

                ولو كان نجاسة ، وطيب : قدمت النجاسة ; لأنها أغلظ ، وتبطل الصلاة بخلافه . اجتمع كسوف ، وجمعة . أو فرض آخر فإن خيف فوت الفرض قدم ; لأنه أهم وإلا قدم الكسوف في الأظهر ; لأنه يخشى فواته بالانجلاء ، ثم يخطب للجمعة متعرضا للكسوف : ثم يصلي الجمعة ، ولا يحتاج إلى أربع خطب . اجتمع عيد ، وكسوف ، وجنازة قدمت الجنازة ، خوفا من تغير الميت ، ولو اجتمع جمعة ، وجنازة ، فكذلك ، إن لم يضق الوقت ، فإن ضاق ، قدمت الجمعة ; لأنها فرض عين ، وقيل : الجنازة ; لأن للجمعة بدلا . اجتمع كسوف ، ووتر ، أو تراويح . قدم الكسوف مطلقا ، أو كسوف ، وعيد ، وخيف فوت العيد قدم ، وإلا فالكسوف . اجتمع في زكاة الفطر : رجل ، وزوجته ، وولده الصغير ، والكبير ، والأب ، والأم ، ولم يجد إلا بعض الصيعان ، ففي المسألة عشرة أوجه ، حكاها في شرح المهذب أصحها : تقديم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأب ثم الأم ثم ولده الكبير .

                والثاني : يقدم الزوجة على نفسه ; لأن فطرتها تجب بحكم المعاوضة .

                والثالث : يبدأ بنفسه ، ثم بمن شاء ، والرابع : يتخير [ ص: 337 ] والخامس : يخرجه موزعا على الجميع . والسادس : يخرجه عن أحدهم ، لا بعينه .

                والسابع : يقدم الأم على الأب .

                والثامن : يستويان ، فيخير بينهما .

                والتاسع : يقدم الابن الكبير على الأبوين ; لأن النص ورد بنفقته ، والفطرة تتبعها .

                والعاشر : يقدم الأقارب على الزوجة ; لأنه قادر على إزالة سبب الزوجية بالطلاق ، بخلاف القرابة ، ولو اجتمع المذكورون في النفقة ، قدموا على ما ذكر ، إلا أن الأم تقدم فيها على الأب ، في الأصح ; لأن النفقة شرعت لسد الخلة ، ودفع الحاجة ، والأم أكثر حاجة ، وأقل حيلة ، والفطرة لم تشرع لدفع ضرر المخرج عنه . بل لتشريفه ، وتطهيره .

                والأب أحق بهذا ، فإنه منسوب إليه ، ويشرف بشرفه ، ولو اجتمع في الفطرة اثنان في مرتبة : تخير .

                وقال الرافعي : ولم يتعرضوا للإقراع ، وله فيه مجال كنظائره اجتمع على رجل حدود ، فإن كانت لله تعالى ، قدم الأخف فالأخف ، فيقدم حد الشرب ، ثم جلد الزنا ، ثم قطع السرقة ، أو المحاربة ، ثم قتل الردة وإن كانت لآدمي فكذلك : فيقدم حد القذف ثم القطع ثم القتل ، فلو اجتمع مستحقا قطع ، أو قتل : قدم من سبقت جنايته ، فإن جهل ، أو جني عليهم معا أقرع . وإن اجتمع الصنفان ، قدم حد القذف على جلد الزنا ; لأنه حق آدمي ، وقيل : لأنه أخف . وينبني عليها : اجتماع حد الشرب والقذف ، فعلى الأصح : يقام القذف ، وعلى الثاني : الشرب . ويجريان في اجتماع القطع ، والقتل قصاصا مع جلد الزنا .

                فعلى الأصح : يقدمان عليه ، ولو اجتمع قتل القصاص ، والردة ، والزنا قدم القصاص قطعا وقيل في الزنا : يقتل رجما بإذن الولي ، ليتأدى الحقان . ولو اجتمع قتل الزنا ، والردة ، لم يحضرني فيه نقل . والذي يظهر : أنه يرجم ; لأنه مقصودهما ، بخلاف ما لو قتل بالسيف ، فإنه محصل قتل الردة ، دون الزنا .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية