الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 86 ] الثالثة الضرر : لا يزال بالضرر

                قال ابن السبكي : وهو كعائد يعود على قولهم " الضرر يزال ، ولكن لا بضرر " فشأنهما شأن الأخص مع الأعم بل هما سواء ; لأنه لو أزيل بالضرر لما صدق " الضرر يزال " .

                ومن فروع هذه القاعدة : عدم وجوب العمارة على الشريك في الجديد ، وعدم إجبار الجار على وضع الجذوع ، وعدم إجبار السيد على نكاح العبد والأمة التي لا تحل له .

                ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر ، إلا أن يكون نبيا ، فإنه يجوز له أخذه ، ويجب على من معه بذله له ، ولا قطع فلذة من فخذه ، ولا قتل ولده ، أو عبده ، ولا قطع فلذة من نفسه : إن كان الخوف من القطع ، كالخوف من ترك الأكل ، أو أكثر ، وكذا قطع السلعة المخوفة .

                ولو مال حائط إلى الشارع ، أو ملك غيره لم يجب إصلاحه .

                ولو سقطت جرة ، ولم تندفع عنه إلا بكسرها ضمنها في الأصح .

                ولو وقع دينار في محبرة ، ولم يخرج إلا بكسرها كسرت وعلى صاحبه الأرش ، فلو كان بفعل صاحب المحبرة فلا شيء ، ولو أدخلت بهيمة رأسها في قدر ، ولم يخرج إلا بكسرها ، فإن كان صاحبها معها ، فهو مفرط بترك الحفظ ، فإن كانت غير مأكولة كسرت القدر ، وعليه أرش النقص ، أو مأكولة ، ففي ذبحها وجهان . وإن لم يكن معها ، فإن فرط صاحب القدر كسرت ، ولا أرش ، وإلا فله الأرش .

                ولو التقت دابتان على شاهق ، ولم يمكن تخليص واحدة إلا بإتلاف الأخرى ، لم يفت واحد منهما ، بل من ألقى دابة صاحبه وخلص دابته ضمن .

                ولو سقط على جريح ، فإن استمر قتله ، وإن انتقل قتل غيره ، فقيل : يستمر لأن الضرر لا يزال بالضرر ، وقيل : يتخير للاستواء . وقال الإمام : لا حكم فيه في هذه المسألة .

                ولو كانت ضيقة الفرج لا يمكن وطؤها إلا بإفضائها ، فليس له الوطء .

                ولو رهن المفلس المبيع ، أو غرس ، أو بنى فيه ، فليس للبائع الرجوع في صورة صحة الرهن . لأن فيه إضرارا بالمرتهن ، ولا في صورة الغرس ، ويبقى الغرس والبناء للمفلس لأنه ينقص قيمتها ، ويضر بالمفلس والغرماء . [ ص: 87 ]

                تنبيه :

                قال ابن السبكي : يستثنى من ذلك : ما لو كان أحدهما أعظم ضررا .

                وعبارة ابن الكتاني : لا بد من النظر لأخفهما وأغلظهما : ولهذا شرع القصاص ، والحدود ، وقتال البغاة ، وقاطع الطريق ، ودفع الصائل ، والشفعة والفسخ بعيب المبيع والنكاح ، والإعسار ، والإجبار على قضاء الديون ، والنفقة الواجبة ، ومسألة الظفر ، وأخذ المضطر طعام غيره ، وقتاله عليه ، وقطع شجرة الغير إذا حصلت في هواء داره ; وشق بطن الميت إذا بلع مالا ، أو كان في بطنها ولو ترجى حياته : ورمي الكفار إذا تترسوا بنساء وصبيان ، أو بأسرى المسلمين .

                ولو كان له عشر دار لا يصلح للسكنى ، والباقي لآخر ، وطلب صاحب الأكثر القسمة أجيب في الأصح ، وإن كان فيه ضرر شريكه .

                ولو أحاط الكفار بالمسلمين ، ولا مقاومة بهم : جاز دفع المال إليهم ، وكذا استنقاذ الأسرى منهم بالمال إذا لم يمكن بغيره ; لأن مفسدة بقائهم في أيديهم ، واصطلامهم للمسلمين أعظم من بذل المال .

                والخلع في الحيض لا يحرم ; لأن إنقاذها منه مقدم على مفسدة تطويل العدة عليها ، ولو وقع في نار تحرقه ، ولم يخلص إلا بماء يغرقه ; ورآه أهون عليه من الصبر على لفحات النار ، فله الانتقال إليه في الأصح .

                ولو وجد المضطر ميتة وطعام غائب فالأصح أنه يأكل الميتة لأنها مباحة بالنص وطعام الغير بالاجتهاد .

                أو المحرم ميتة وصيدا : فالأصح كذلك . لأنه يرتكب في الصيد محظورين : القتل والأكل .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية