الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                اشتراط الأداء والقضاء . وفيهما في الصلاة أوجه :

                أحدها : الاشتراط ، واختاره إمام الحرمين ، طردا لقاعدة الحكمة التي شرعت لها النية ; لأن رتبة إقامة الفرض في وقته تخالف رتبة تدارك الفائت ، فلا بد من التعرض في كل منهما للتمييز .

                والثاني : تشترط نية القضاء دون الأداء ; لأن الأداء يتميز بالوقت ، بخلاف القضاء .

                والثالث : إن كان عليه فائتة اشترط في المؤداة نية الأداء ، وإلا فلا ، وبه قطع الماوردي .

                والرابع : وهو الأصح لا يشترطان مطلقا ، لنص الشافعي على صحة صلاة المجتهد في يوم الغيم ، وصوم الأسير إذا نوى الأداء ، فبانا بعد الوقت . وللأولين أن يجيبوا بأنهما معذوران ، وأما غير الصلاة فقل من تعرض له .

                وقد بسط العلائي الكلام في ذلك في كتابه ( فصل القضاء في الأداء والقضاء ) فقال : ما لا يوصف من العبادات بأداء ولا قضاء ، فلا ريب في أنه لا يحتاج إلى نية أداء ولا قضاء ويلحق بذلك ماله وقت محدود ، ولكنه لا يقبل القضاء كالجمعة فلا يحتاج فيها إلى نية الأداء إذ لا يلتبس بها قضاء فتحتاج إلى نية مميزة ، وأما سائر النوافل التي تقضى ، فهي كبقية الصلوات في جريان الخلاف . وأما الصوم فالذي يظهر ترجيحه أن نية القضاء لا بد منها . وقد صرح به [ ص: 20 ] في التتمة ، فجزم باشتراط التعرض فيه لنية القضاء دون الأداء ، لتمييزه بالوقت . انتهى .

                قلت : وقد ذكر الشيخان في الصوم الخلاف في نية الأداء ، وبقي الحج والعمرة ولا شك أنهما لا يشترطان فيهما ; إذ لو نوى بالقضاء الأداء لم يضره وانصرف إلى القضاء ، ولو كان عليه قضاء حج أفسده في صباه أو رقه ، ثم بلغ أو عتق فنوى القضاء ، انصرف إلى حجة الإسلام وهي الأداء .

                وأما صلاة الجنازة : فالذي يظهر أنه يتصور فيها الأداء والقضاء لأن وقتها محدود بالدفن ، فإن صح أنها بعده قضاء فلا يبعد جريان الخلاف فيهما .

                وأما الكفارة : فنص الشافعي في كفارة الظهار على أنها تصير قضاء إذا جامع قبل أدائها ولا شك في عدم الاشتراط فيها .

                وأما الزكاة : فيتصور القضاء فيها في زكاة الفطر ، والظاهر أيضا عدم الاشتراط ، وإذا ترك رمي يوم النحر أو يوما آخر تداركه في باقي الأيام ، ولا دم ، وهل هو أداء أو قضاء ؟ سيأتي الكلام فيه في مبحثه .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية