الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الحجة التاسعة ) أيمان اللعان وهي متفق عليها أيضا فيما علمت من حيث الجملة .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الباب الثامن ) في بيان ما تكون فيه الحجة التاسعة ، وفي صفتها ، وفيه وصلان ( الوصل الأول ) في تبصرة ابن فرحون لا يحكم باللعان إلا بعد ثبوت الحمل بشاهدة امرأتين ، وثبوت الزوجية إن كانا من أهل المصر والأمكنة من اللعان قبل ثبوت الزوجية والحمل ، ولا يحده بخلاف ما إذا كانا من أهل المصر فإنه يحد إذا لم يثبت ذلك بحال ، ولا يكون اللعان إلا بمجلس الحاكم أو في مجلس رجل من أعيان الفقهاء بأمر الحاكم ، وقال قيل ويجب أن يكون في أشرف أمكنة البلد عند المنبر في المدينة ، وعند الركن بمكة ، وعند المحراب في غيرهما في الجامع الأعظم ، والمختار أن يكون بعد صلاة العصر ، وتحلف الذمية في كنيستها لا في المسجد ، والمريض بموضعه ، ويكون ذلك بحضور جماعة أقلها أربعة قال وحقيقة اللعان يمين الزوج على زوجته بزنا أو نفي حملها أو ولدها ، ويمين الزوجة على تكذيبه ، وسميت أيمانهما لعانا لأن فيها ذكر اللعن ، ولكونها سببا في بعد كل واحد من صاحبه ا هـ ، وفي الأصل وسلمه ابن الشاط وأيمان اللعان متفق عليها فيما علمت من حيث الجملة ا هـ

( الوصل الثاني ) صفة اللعان أنه إن لاعن من دعوى الزنا ، واعتمد على الرؤية قال أربع مرات أشهد بالله ، وقال محمد يزيد الذي لا إله إلا هو إني لمن الصادقين لرأيتها تزني كالمرود في المكحلة ثم يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين [ ص: 154 ] ثم تقول المرأة أربع مرات أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أنه لمن الكاذبين ، وما رآني أزني ثم تقول في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، وإن لاعن من دعوى لنفي الحمل ، واعتمد على الرؤية وحدها على أحد الأقوال زاد في الأربع ، وما هذا الحمل متى ، وتزيد المرأة ، وأن هذا الحمل منه ، ويقول في اللعان إذا اعتمد على الاستبراء وحده على أحد القولين إني لمن الصادقين لقد استبرأتها من كذا فاعتمد عليها مع ذكرهما معا في الأربع الأيمان ، وإن لاعن من دعوى الغصب قال أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما هذا الحمل مني ، وأني لمن الصادقين .

وقال في الخامسة وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، وتقول المغتصبة إذا التعنت لنفي الولد أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما زنيت ، ولا أطعت ، وتقول في الخامسة إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيتعين لفظ الشهادة ، ولفظ اللعن ، والغضب بعدها ، وفي معين الحكام ، والحرة المسلمة التي لم تبلغ المحيض ، وقد جومعت تلاعن زوجها لأن من قذفها يحد ، والمشهور قول مالك وابن القاسم أن الفرقة تقع بينهما بتمام التحالف دون حكم حاكم ، وقال ابن حبيب لا تقع حتى يفرق الإمام بينهما .

وقال ابن نافع يستحب له أن يطلقها ثلاثا عند فراغه من اللعان فإن لم يفعل أجريا على سنة المتلاعنين أنهما لا يتناكحان أبدا .

وقال ابن لبابة إن لم يفعل طلقها الإمام ثلاثا ، ولم يمنعه من مراجعتها بعد زوج ، وفي كتاب ابن شعبان ، وفرقة المتلاعنين ثلاثا ويتزوجها بعد زوج آخر ، وفي الجلاب فرقة المتلاعنين فسخ بغير طلاق أفاده ابن فرحون في التبصرة ، والله أعلم .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الباب التاسع ) في بيان ما فيه تكون القسامة وصفتها وفيه وصلان

( الوصل الأول ) قال ابن رشد القسامة موجبة مع اللوث للقتل في العمد والدية في الخطأ ، ولا قسامة في الأطراف ، ولا في الجراح ، ولا في العبيد ، ولا في الكفار قال ابن فرحون اللوث بثاء مثلثة المراد الوجوه التي يقع بها التلويث والتلطيخ في الدماء ، وهي كثيرة ، ومع كثرتها لا يتوصل بها إلى التمكن من الدماء لعظم خطرها ورفيع قدرها فوجب الإعراض عنها إلا لمن فيها ماله قوة لأجل ما أضيف به من القرائن الحاملة على صدق مدعيه ، ولذلك اختلف العلماء في تعيين ما يقبل من ذلك فعند مالك رضي الله تعالى عنه عنه أن اللوث هو الشاهد العدل على معاينة القتل ، ووجه ذلك أن يقوي جهة المدعيين ، ولا تأثير في نقل اليمين إلى جهة المدعيين ، وأخذ ابن القاسم بما قاله مالك ، ووافقه ابن وهب وابن عبد الحكم ، وذكر ابن المواز عن ابن القاسم أن شهادة المرأتين لوث يوجب القسامة ولا يوجب ذلك شهادة امرأة واحدة ، وروى ابن المواز وأشهب أنه يقسم مع الشاهد غير العدل ، ومع المرأة قال ابن المواز عن أشهب ، ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن العبد والذمي ليس بلوث .

ووجهه رواية أشهب ، وهو اختياره أنه لوث فلم يعتبر فيه العدالة كالذي يقول دمي عند فلان فلا يشترط فيه العدالة بل يقبل قوله في العمد والخطأ ، ولو كان فاسقا ، وفي تنبيه الحكام لابن المناصف ، وروى أشهب عن مالك أن القسامة تجب بشهادة امرأة واحدة عدل ، وقيل تقسم مع جماعة النساء ، والصبيان والقوم ليسوا بعدول فإذا وقعت القسامة بشيء من هذا على القول فيه بالجواز استحق أولياء المقتول الدم قال ووجه ذلك أن القود إنما يجب بمجرد القسامة عند مالك ، ولا حكم للشاهد الواحد في ثبوت القود ، وإن كان عدلا لأنه من حقوق الأبدان التي لا تستحق بالشاهد واليمين ، وإنما الواحد لوث ولطخ بقوى الدعوى في إباحة القسامة لا على جهة الشاهد ، واليمين الذي في حقوق الأموال ، ولذلك لا يقبل في قسامة العمد إلا رجلان فصاعدا أو لا مدخل فيها لنساء ، ولا حكم للواحد لأنهما أقيما [ ص: 155 ] في ثبوت الحق بإثباتهما مقام الشاهدين بخلاف القسامة في الخطأ لأنه مال فإذا أثبت أن شهادة الواحد في ذلك لوث لأنصف شهادة تكمل باليمين فكذلك قد يكون اللوث بغير العدل ، وباللفيف من النساء والصبيان لأنه لطخ لا شهادة ، والقسامة في هذا الباب أصل مخصص لنفسه لا يعترض عليه بغيره على ما وردت به السنة بخلاف سائر الحقوق .

والأصح أن لا تجب القسامة بشيء من ذلك ، ولا يراق دم مسلم بغير العدول ، وذكر القاضي أبو محمد في المعونة أن من أصحابنا من يجعل شهادة العبيد والصبيان لوثا ، وبه قال ابن ربيعة ويحيى بن سعيد ، وهذا حكم القتل على غير وجه الغيلة أما قتل الغيلة فقال ابن المواز إن شهد عدل أنه قتله غيلة لم يقسم مع شهادته ، ولا يقبل في هذا إلا شاهدان نعم قال أبو محمد رأيت ليحيى بن عمر أن يقسم معه من المنتقى للباجي ا هـ المراد .

( الوصل الثاني ) في التبصرة صفة القسامة أن يحلف الأولياء خمسين يمينا أن فلانا قتل ولينا فلانا أو أنه ضربه ، ومن ضربه مات إن كان قد عاش بعد ذلك ، ويقتصر على قوله بالله الذي لا إله غيره .

وقال المغيرة يزيد الرحمن الرحيم ، ويحلفون في المدينة النبوية عند المنبر ، وفي غيرها بالجامع قياسا دبر الصلاة بمحضر الناس ، ويؤتى إلى المساجد الثلاثة من مسيرة عشرة أيام ، وإلى سائر الأمصار من مسيرة عشرة أميال ، ويحلف في العمد من له القصاص من الرجال المكلفين ، وفي الخطأ المكلفون من الورثة رجالا ونساء على قدر ميراثهم ، ولا قسامة فيمن ليس له وارث إذ تحليف بيت المال غير ممكن ، ولا قسامة إلا بنسب أو ولاء ، ولا يقسم من القبيلة إلا من التقي معه في نسب ثابت ، ولا يقسم المولى الأسفل ، ولكن ترد الأيمان على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا فإن نكل سجن أبدا حتى يحلف أو يموت ا هـ المراد منها فانظرها في الأصل ، وأيمان القسامة متفق عليها أيضا من حيث الجملة ا هـ ، وسلمه ابن الشاط ، والله أعلم




الخدمات العلمية