الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( القاعدة العاشرة ) التفضيل بشرف المتعلق كتفضيل العلم المتعلق بذات الله تعالى ، أو صفاته على غيره من العلوم وكتفضيل علم الفقه على الطب لتعلقه برسائل الله [ ص: 218 ] تعالى وأحكامه ، وهذا القسم عين المدلول فكل مدلول متعلق وليس كل متعلق مدلولا ؛ لأن الدلالة والمدلول من باب الألفاظ والحقائق الدالة كالصنعة على الصانع فإنها تدل عليه وأما العلم ونحوه فلا يقال له دال بل هو مدلول في نفسه وليس بدليل على غيره بل له متعلق خاص وهو معلومه وكذلك الإرادة المتعلقة بالخيور أفضل من الإرادة المتعلقة بالشرور .

والنية في الصلاة أفضل من النية في الطهارة ؛ لأنها متعلقة بالمقاصد ، والثانية متعلقة بالوسائل ، والمقاصد أفضل من الوسائل والمتعلق بالأفضل أفضل .

( القاعدة الحادية عشر ) التفضيل بكثرة التعلق كتفضيل علم الله على قدرته ، وإرادته ، وسمعه ، وبصره لكونه متعلقا بجميع الواجبات والممكنات والمستحيلات ، واختصاص الإرادة بالممكنات وجودها أو عدمها ، واختصاص القدرة بوجود الممكنات خاصة ، واختصاص السمع ببعض الموجودات - وهي الأصوات والكلام النفسي - ، واختصاص البصر ببعض الموجودات الممكنات والواجبات دون [ ص: 219 ] المستحيلات والمعدومات الممكنات .

وأما الكلام النفسي فالخبر فيه مسبوق للعلم في التعلق وكل معلوم لله تعالى فهو مخبر عنه ويختص الكلام بأن له تعلق الاقتضاء والإباحة وغيرها فهو أكثر تعلقا من العلم فيكون له الشرف على العلم من هذا الوجه وكتفضيل البصر على السمع لاختصاص السمع بالكلام ، والبصر يعم جميع الموجودات كانت كلاما ، أو غيره .

( القاعدة الثانية عشر ) التفضيل بالمجاورة كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود فلا يمسه محدث ولا يجوز أن يلابس بقاذورة ولا بما يوجب الإهانة وليس فيه شيء مكتوب بل لمجاورته الورق المكتوب فيه القرآن الكريم .

( القاعدة الثالثة عشر ) التفضيل بالحلول كتفضيل قبره صلى الله عليه وسلم على جميع بقاع الأرض حكى القاضي عياض رحمه الله في ذلك الإجماع في كتاب الشفاء ولما خفي هذا المعنى على بعض الفضلاء أنكر الإجماع في ذلك وقال التفضيل إنما هو بكثرة الثواب على الأعمال ، والعمل على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم فيه عقاب شديد فضلا عن أن يكون فيه أفضل المثوبات فإذا تعذر الثواب هنالك على عمل العامل مع أن التفضيل إنما يكون باعتباره كيف يحكي الإجماع في أن تلك البقعة أفضل البقاع أوما علم أن أسباب التفضيل أعم من الثواب وأنها منتهية إلى عشرين قاعدة أنا ذاكرها إن شاء الله تعالى فالإجماع منعقد على التفضيل بهذا الوجه لا بكثرة الثواب على الأعمال ويلزمه أن لا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره لتعذر العمل فيه وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة بل هذا معنى ما حكاه القاضي عياض رحمه الله فتأمله

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 217 ] قال : ( القاعدة العاشرة التفضيل بشرف المتعلق كتفضيل العلم المتعلق بذات الله تعالى وصفاته على غيره من العلوم )

قلت : ما قاله في هذه القاعدة - من أن كل مدلول متعلق - ليس بصحيح فإن المدلول غير المتعلق في الاصطلاح المعهود إلا أن يريد أن كل مدلول يصح أن يكون متعلقا بوجه ما [ ص: 218 ] فذلك صحيح إلا أنه مخالف للاصطلاح وما قاله من أن الإرادة المتعلقة بالخيور أفضل من الإرادة المتعلقة بالشرور إن أراد بذلك إرادتنا فصحيح ، وإن أراد الإرادة مطلقا فليس ذلك بصحيح فإن إرادة الله تعالى لا يصح تنوعها إلى نوعين لاتحادها ولا يصح ذلك الإطلاق عليها باعتبارين ؛ لأنه لم يرد في ذلك من الشرع ما يقتضيه وما قاله في نية الصلاة والطهارة وما بنى ذلك عليه من أن المقاصد أفضل من الوسائل إن أراد بالأفضلية زيادة في الأجور فذلك دعوى لم يأت عليها بحجة ، وإن أراد بالأفضلية كون المقاصد مفضلة بكونها مقاصد فذلك صحيح ، وما قاله في القاعدة الحادية عشر والثانية عشر صحيح وكذلك ما قاله في الثالثة عشر إلا حصره لوجود التفضيل في عشرين قاعدة فإني لا أعرف الآن دليل صحة ذلك الحصر



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( القاعدة العاشرة ) التفضيل بشرف المتعلق كتفضيل العلم المتعلق بذات الله تعالى ، أو صفاته على غيره من العلوم وكتفضيل علم الفقه على الطب لتعلقه برسائل الله تعالى وأحكامه وكتفضيل إرادتنا المتعلقة بالخيور على إرادتنا المتعلقة بالشرور ، وإرادة الله تعالى لاتحادها لا يصح تنوعها ولا أن يطلق عليها ذلك باعتبارين لأنه لم يرد في ذلك من الشرع [ ص: 219 ] ما يقتضيه ، وكتفضيل النية في الصلاة على النية في الطهارة لأن الصلاة مقصد والطهارة وسيلة ، والمقاصد بكونها مقاصد لا بزيادة في الأجور إذ لا حجة عليه أفضل من الوسائل ، وبالأفضل أفضل قال ابن الشاط : والمدلول غير المتعلق في الاصطلاح المعهود ، وإن صح أن يكون كل مدلول متعلقا بوجه ما ا هـ فافهم .

( القاعدة الحادية عشرة )

التفضيل بكثرة التعلق كتفضيل الكلام النفسي القديم على علمه تعالى لأن الخبر فيه ، وإن كان مسبوقا للعلم في التعلق وكل معلوم لله تعالى فهو مخبر عنه إلا أن للكلام اختصاصا بتعلق الاقتضاء والإباحة وغيرهما فهو أكثر تعلقا من العلم وكتفضيل علم الله تعالى على قدرته ، وإرادته وسمعه وبصره لكونه متعلقا بجميع الواجبات والممكنات والمستحيلات ، واختصاص الإرادة بالممكنات وجودها أو عدمها ، واختصاص القدرة بوجود الممكنات خاصة ، واختصاص السمع ببعض الموجودات - وهي الأصوات والكلام النفسي - ، واختصاص البصر ببعض الموجودات الممكنات والواجبات دون المستحيلات والمعدومات الممكنات وكتفضيل البصر على السمع لاختصاص السمع بالكلام ، والبصر يعم جميع الموجودات كانت كلاما ، أو غيره .

( القاعدة الثانية عشرة ) التفضيل بالمجاورة كتفضيل جلد المصحف وليس فيه شيء مكتوب على سائر الجلود فلا يمسه محدث ولا يجوز أن يلابس بقاذورة ولا بما يوجب الإهانة لمجاورته الورق المكتوب فيه القرآن .

( القاعدة الثالثة عشرة ) التفضيل بالحلول كتفضيل قبره صلى الله عليه وسلم على جميع بقاع الأرض حكى القاضي عياض رحمه الله في ذلك الإجماع في كتابه الشفاء .

وقال البكري :

جزم الجميع بأن خير الأرض ما قد حاط ذات المصطفى وحواها     نعم لقد صدقوا بساكنها علت
كالنفس حين زكت زكى مأواها

وقد مر أنه لا يصح إنكار بعض فضلاء الشافعية انعقاد الإجماع على ذلك بناء على انحصار التفضيل في الثواب على العمل ، والعمل متعذر هنا .




الخدمات العلمية