الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( القاعدة الرابعة عشر ) التفضيل بسبب الإضافة كقوله تعالى { أولئك حزب الله } أضافهم إليه تعالى ليشرفهم بالإضافة [ ص: 220 ] إليه كما أضاف العصاة إلى الشيطان ليهينهم بالإضافة إليه ويحقرهم في قوله تعالى { أولئك حزب الشيطان } ومنه قوله تعالى { وطهر بيتي للطائفين } الآية أضاف البيت إليه تعالى ليشرفه بالإضافة إليه ومنه قوله تعالى { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى { كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به } شرف الصوم بإضافته إليه .

واختلف في سبب هذا التشريف الموجب لهذه الإضافة وقد تقدم بسطه ونقل المذاهب فيه فهذا كله تفضيل بالإضافة اللفظية .

( القاعدة الخامسة عشر ) التفضيل بالأنساب والأسباب كتفضيل ذريته عليه الصلاة والسلام على جميع الذراري بسبب نسبهم المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم على جميع النساء كما قال تعالى { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } وذلك بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم والاختصاص به ، وإن كن في هذه النسبة متفاوتات .

( القاعدة السادسة [ ص: 221 ] عشر )

التفضيل بالثمرة والجدوى كتفضيل العالم على العابد ؛ لأن العلم يثمر صلاح الخلق وهدايتهم إلى الحق بالتعليم والإرشاد ، والعبادة قاصرة على محلها واجتمع يوما عالمان عظيمان أحدهما يعلم المعقولات والهندسيات والآخر عالم بالسمعيات والشرعيات فقال الأول للثاني : الهندسة أفضل من الفقه ؛ لأنها قطعية ، والفقه مظنون والقطع أفضل من الظن فقال له الآخر : صدقت ، من هذا الوجه هي أفضل ، غير أن الفقه أفضل منها ؛ لأنه يثمر سعادة الآخرة .

ونعيم الجنان ، ورضوان الرحمن ، والهندسة لا تفيد ذلك فوافقه الآخر على ذلك وكانا متناصفين رحمهما الله تعالى ، ومن ثمرات العلم موضوعاته أي تآليفه فينتفع الأبناء بعد الآباء والأخلاف بعد الأسلاف والعبادة تنقطع من حينها وثمرة العلم وهدايته تبقى إلى يوم الدين وجاء من هذا الوجه الرسالة أفضل من النبوة فإن الرسالة مثمرة الهداية للأمة المرسل إليها والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم للعابد وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يلاحظ في النبوة جهة أخرى يفضلها بها على الرسالة فكان يقول : النبوة عبارة عن خطاب الله تعالى نبيه بإنشاء حكم يتعلق به كقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { اقرأ باسم ربك } فهذا وجوب متعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم والرسالة خطاب يتعلق بالأمة ، والرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الأمة ، والخطاب متعلق به فيكون أفضل من جهة شرف المتعلق فإن النبوة هو متعلقها والرسالة متعلقها الأمة ، وإنما حظه منها التبليغ فهذان وجهان متعارضان كما يقال في علم الله تعالى : إنه أفضل من الحياة لأجل التعلق الذي له والحياة لا متعلق لها ويلاحظ في الحياة جهة أخرى هي بها أفضل ؛ لأنها شرط للعلم ، والعلم متوقف عليها وهي ليست متوقفة على العلم في ذاتها ، والعلم ليس شرطا فيها فهي أفضل من هذا الوجه ولا مانع من أن يكون للحقيقة الواحدة شرف من وجه دون وجه .

( القاعدة السابعة عشر ) التفضيل بأكثرية الثمرة بأن تكون [ ص: 222 ] الحقيقتان كل واحدة منهما لها ثمرة وهي مثمرة ، غير أن إحدى الحقيقتين ثمرتها أعظم وجدواها أكثر فتكون أفضل وله أمثلة أحدها الفقه والهندسة كلاهما مثمر أحكاما شرعية ؛ لأن الهندسة يستعان بها في الحساب والمساحات والحساب يدخل في المواريث وغيرها ، والمساحات تدخل في الإجارات ونحوها ومن نوادر المسائل الفقهية التي يدخل فيها الحساب المسألة المحكية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذلك أن رجلين كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلسا يأكلان فجلس معهما ثالث يأكل معهما .

ثم بعد الفراغ من الأكل دفع لهما الذي أكل معهما ثمانية دراهم وقال : اقسما هذه الدراهم على قدر ما أكلته لكما فقال صاحب الثلاثة : إنه أكل نصف أكله من أرغفتي ونصف أكله من أرغفتك فأعطني النصف أربعة دراهم فقال له الآخر لا أعطيك إلا ثلاثة دراهم ؛ لأن لي خمسة أرغفة فآخذ خمسة دراهم ولك ثلاثة أرغفة تأخذ ثلاثة دراهم فحلف صاحب الثلاثة لا يأخذ إلا ما حكم به الشرع فترافعا إلى علي رضي الله عنه فحكم لصاحب الثلاثة بدرهم واحد ولصاحب الخمسة بسبعة دراهم فشكا من ذلك صاحب الثلاثة فقال له علي رضي الله عنه : الأرغفة ثمانية وأنتم ثلاثة أكل كل واحد منكم ثلاثة أرغفة إلا ثلثا بقي لك ثلث من أرغفتك أكله صاحب الدراهم وأكل صاحبك من أرغفته ثلاثة إلا ثلثا وهي خمسة يبقى له رغيفان وثلث وذلك سبعة أثلاث أكلها صاحب الدراهم فأكل لك ثلثا وله سبعة أثلاث فيكون لك درهم وله سبعة دراهم فهذه مسألة فقهية يحتاج إليها الفقيه المفتي والقاضي الملزم وهي لا تعلم إلا بدقيق الحساب كما ترى ومن مسائل المساحة الغريبة المتعلقة بالفقه رجل استأجر رجلا يحفر له بئرا عشرة في عشرة طولا وعرضا وعمقا ، جميع ذلك عشرة من كل وجه فحفر له بئرا خمسة في خمسة فاختلف فيما يستحقه من الأجرة فقال ضعفاء الفقهاء يستحق النصف ؛ لأنه عمل النصف .

وقال المحققون يستحق الثمن [ ص: 223 ] لأنه عمل الثمن وبيانه أنه استأجره على عشرة في عشرة وذلك ألف ذراع بسبب أن الذراع الأول من العشرة لو عمل وبسط على الأرض ومسح كان حصيرا طوله عشرة وعرضه عشرة ومساحته عشرة في عشرة بمائة ، فالذراع الأول تحصل مساحته مائة وهي عشرة أذرع في عشرة ومائة في عشرة بألف وعمل خمسة في خمسة فالذراع الأول لو بسط على الأرض ترابا على وجهه لكان خمسة في خمسة ، وخمسة في خمسة بخمسة وعشرين فالذراع مساحته خمسة وعشرون وهي خمسة أذرع ، وخمسة وعشرون في خمسة بمائة وخمسة وعشرين ، ونسبة مائة وخمسة وعشرين إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن من الأجرة ؛ لأنه إنما عمل ثمن ما استؤجر عليه وهذه الدقائق من هذه المسائل إنما تحصل من الهندسة فإن علم الهندسة يشمل الحساب والمساحة وغيرهما وهذه المسائل .

وإن كانت كثيرة ، غير أنها بالنسبة إلى مسائل الفقه قليلة فثمرة الفقه أعظم من ثمرة الهندسة فيكون أفضل منها .

وثانيها علم النحو وعلم المنطق كلاهما له ثمرة جليلة ، غير أن ثمرة النحو أعظم بسبب أنه يستعان به على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام العرب في نطق اللسان وكتابة اليد فإن اللحن يقع في الكتابة وفي اللفظ ويستعان به في الفقه وفي أصول الفقه وغير ذلك مما علم في مواضعه .

وأما المنطق إنما يحتاج إليه في ضبط المعاني المتعلقة بالبراهين والحدود خاصة وقد يكفي فيها الطبع السليم والعقل المستقيم ولا يهتدي العقل بمجرده لتقويم اللسان وسلامته من اللحن فإنها أمور سمعية ولا مجال للعقل فيها على سبيل الاستقلال فلا بد من النحو بالضرورة فيها ، والمنطق يستغنى عنه بصفاء العقل فصارت الحاجة للنحو أعظم ، وثمرته أكثر فيكون أفضل .

وثالثها علم النحو مع علم أصول الفقه كلاهما مثمر غير أن أصول الفقه يثمر الأحكام الشرعية فإنها منه تؤخذ فالشريعة من أولها إلى آخرها مبنية على أصول الفقه ، والنحو إنما أثره في تصحيح الألفاظ وبعض المعاني [ ص: 224 ] والألفاظ إنما هي وسائل والأحكام الشرعية مقاصد بالنسبة إلى الألفاظ ، والمقاصد أفضل من الوسائل

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 219 ] قال : ( القاعدة الرابعة عشر التفضيل بسبب الإضافة كقوله تعالى { أولئك حزب الله } إلى آخر القاعدة ) .

قلت : قوله " فهذا كله تفضيل بالإضافة اللفظية " إن أراد أنه ليس تشريف ما ذكر في هذه القاعدة ، أو [ ص: 220 ] إهانته إلا بمجرد الإضافة اللفظية فذلك غير صحيح وكيف يصح ذلك ولم يضف حزبه تعالى إليه إلا لطاعتهم ولم يضف حزب الشيطان إليه إلا لمعصيتهم وكذلك قوله تعالى { وطهر بيتي } ليست إضافة البيت إليه تعالى إلا لكونه جعله محلا لما قرن به من الطاعات في الصلاة والحج وكذلك قوله تعالى { وما أنزلنا على عبدنا } ليست إضافة العبد إليه تعالى إلا أنه جعله صفوة رسله وخاتمهم وكذلك قوله تعالى في الصوم ليست الإضافة إلا لأنه خصه بجزاء لم يطلعنا على قدره أو ما أشبه ذلك والله تعالى أعلم ، وإن أراد أن الإضافة نفسها هي التشريف ، وإن كانت تلك الأمور أسبابا لها فما قاله صحيح والله تعالى أعلم ، وما قاله في القاعدة الخامسة عشر صحيح وكذلك ما قاله في السادسة عشر إلا ما حكاه عن شيخه عز الدين من ملاحظته في النبوة جهة أخرى نفضلها به على الرسالة فإنه إنما كان يصح ما قاله لو لم يكن الرسول نبيا وأما وكل رسول نبي فلا يصح ذلك إذ لا اختصاص للنبي على الرسول بمزية يقع بها التفضيل والله أعلم وما قاله في القاعدة السابعة عشر صحيح



حاشية ابن حسين المكي المالكي

[ ص: 221 - 224 ] القاعدة الرابعة عشرة ) التفضيل اللفظي بسبب في الإضافة في نحو قوله تعالى { أولئك حزب الله } أضافهم إليه تعالى ليشرفهم بها كما أضاف العصاة إلى الشيطان في قوله تعالى { أولئك حزب الشيطان } ليهينهم بها ويحقرهم وقوله تعالى { وطهر بيتي للطائفين } الآية أضاف البيت إليه تعالى ليشرفه بها وقوله تعالى { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى { كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به } شرف الصوم بإضافته إليه نعم لا بد للتشريف ، أو التحقير بالإضافة من أسباب تقتضي ذلك ألا ترى أنه لم يضف حزبه تعالى إليه إلا لطاعتهم ولا حزب الشيطان إليه إلا لمعصيتهم ولا البيت إليه تعالى إلا لكونه جعله محلا لما قرن به من الطاعات في الصلاة والحج ولا العبد إليه تعالى إلا لأنه جعله صفوة رسله وخاتمهم ولا الصوم له تعالى إلا لأنه خصه بجزاء لم يطلعنا على قدره أو ما أشبه ذلك مما مر بسط الخلاف فيه فلا تغفل .

( القاعدة الخامسة عشرة ) التفضيل بالأنساب والأسباب كتفضيل ذريته عليه الصلاة والسلام على جميع الذراري بسبب نسبهم المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم على جميع النساء كما قال تعالى { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } [ ص: 220 ] وذلك بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم والاختصاص به .

وإن كن في هذه النسبة متفاوتات وذلك أن نسبة من دخل بهن أقوى من نسبة من عقد ولم يدخل بهن ، ونسبة من دخل ولم يطلقهن أقوى ممن دخل وطلقهن ونسبة من دخل وطلقهن أقوى ممن فارقهن قبل الدخول ونسبة من فارقهن قبله ، أو بعده على الخلاف أقوى ممن فارقهن قبله باتفاق كما لا يخفى ، وفي الجمل عن المواهب جملة من عقد عليهن صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون امرأة مات عن عشر ، واحدة لم يدخل بها وهي قتيلة بنت قيس وتسع دخل بهن ، جمعهن بعضهم في قوله :

توفي رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات وتنسب فعائشة ميمونة وصفية
وحفصة تتلوهن هند وزينب جويرية مع رملة . ثم سودة
ثلاث وست نظمهن مهذب

ومات في حياته باتفاق أربع ثنتان بعد الدخول وهما خديجة وزينب أم المساكين وثنتان قبل الدخول وهما شراف بنت خليفة أخت دحية الكلبي وخولة بنت الهذيل وفارق على خلف في كونه بطلاق ، أو موت مع الاتفاق على عدم الدخول ثنتين مليكة بنت كعب وسبا بنت أسماء وطلق سبعا باتفاق : بعد الدخول باتفاق ثنتين فاطمة بنت الضحاك وعالية بنت ظبيان ، وقبله باتفاق ثلاثا وهن عمرة بنت يزيد وأسماء بنت النعمان والتي من غفار ، وعلى خلف في كونه بعده أو قبله ثنتين وهما أم شريك القرشية والمستقيلة التي جهل حالها وهي ليلى بنت الخطيم فجملة المتفق على دخوله بهن ولم يطلقهن إحدى عشرة امرأة ست من قريش خديجة وعائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة وأربع عربيات زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين وجويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية وواحدة غير عربية وهي صفية بنت حيي من بني النضير مات في حياته منهن ثنتان خديجة وزينب أم المساكين وتوفي صلى الله عليه وسلم عن الباقي والمتفق على من دخل وطلق بعده ثنتان فاطمة بنت الضحاك وعالية بنت ظبيان ا هـ بتلخيص وتصرف وزيادة .

وأما تفضيل خديجة وعائشة على باقيهن والخلاف في أفضلهما فليس من هذه الجهة بل إما من جهة الأحوال وكثرة الخصال الجميلة فيستحسن قول شيخ الإسلام في شرح البخاري الذي أختاره الآن أن الأفضلية محمولة على أحوال فعائشة أفضلهن من حيث العلم وخديجة من حيث تقدمها ، وإعانتها له صلى الله عليه وسلم ا هـ .

وأما من جهة كثرة الثواب فيكون الأقرب الوقف كما هو قول الأشعري كما في عبد السلام على الجوهرة قال : وفي كلام البرهان الحلبي أن زينب بنت جحش تلي عائشة رضوان الله عليهما ولم يقف أستاذنا على نص في باقيهن ولا في مفاضلة بعض أبنائه الذكور على بعض ولا في المفاضلة بينهم وبين البنات الشريفات سوى ما شرف الله به الذكور على الإناث مطلقا ولا بينهن سوى فاطمة فإنها أفضل بناته الكريمات ولا بين باقي البنات سوى فاطمة مع الزوجات الطاهرات ، وإن جرت علة فاطمة بالبضعية في الجميع فالوقف أسلم ا هـ .

قال الأمير قال العلامة الملوي أولاده صلى الله عليه وسلم الذكور ثلاثة عبد الله ويلقب بالطيب وبالطاهر فله [ ص: 221 ] لقبان زيادة على الاسم والقاسم ، وإبراهيم والإناث أربعة زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وينبغي حفظهم ومعرفتهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا ويقبح على الإنسان أن لا يعرف أولاد سيده ا هـ وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية أهداها له المقوقس من مصر ا هـ .

وقد جمعت أولاده صلى الله عليه وسلم في قولي ليسهل حفظهم :

أولاد طه سبعة أطهار ذكورهم ثلاثة أبرار
القاسم إبراهيم عبد الله ذا بالطيب الطاهر تلقيبا خذا
وأربع إناثهم فاطمة فأم كلثوم كذا رقية
فزينب وأمهم خديجة لكن لإبراهيم مارية

، وفي الجمل عن المواهب وخطب صلى الله عليه وسلم ثماني نسوة ولم يعقد عليهن باتفاق ، وسراريه التي دخل عليهن بالملك أربع مارية القبطية وريحانة بنت شمعون من بني قريظة وقيل من بني النضير والثالثة وهبتها له زينب بنت جحش واسمها نفيسة والرابعة أصابها في بعض السبي ولم يعرف اسمها ا هـ .

( القاعدة السادسة عشرة ) التفضيل بالثمرة والجدوى كتفضيل العالم على العابد لأن العلم يثمر صلاح الخلق وهدايتهم إلى الحق بالتعليم والإرشاد والعبادة قاصرة على محلها ولأن ثمرات العلم من موضوعاته أي تآليفه ، وهدايته متعلميه تبقى إلى يوم الدين فينتفع بها الأبناء بعد الآباء والأخلاف بعد الأسلاف والعبادة تنقطع من حينها وكتفضيل الرسالة على النبوة لأن الرسالة تثمر الهداية للأمة المرسل إليها ، والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم للعابد وليس للنبوة جهة أخرى نفضلها بها على الرسالة وتكون معارضة لجهة تفضيل الرسالة عليها حتى يحتاج أن يقال لا مانع من أن يكون للحقيقة الواحدة شرف من وجه دون وجه .

وأما ملاحظة العز بن عبد السلام في النبوة جهة أخرى وهي أنها عبارة عن خطاب الله تعالى نبيه بإنشاء حكم يتعلق به كقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { اقرأ باسم ربك } فهذا وجوب متعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم والرسالة عبارة عن خطاب الله تعالى المتعلق بالأمة ، وإنما حظ الرسول منها التبليغ فتكون أفضل بجهة شرف المتعلق من الرسالة فإنما تصح لو لم يكن الرسول نبيا ، وأما وكل رسول نبي فلا يصح ملاحظة ذلك إذ لا اختصاص للنبي على الرسول بمزية يقع بها التفضيل قاله ابن الشاط نعم وقع التعارض بين جهتين من جهات التفضيل في صفتي علمه تعالى وحياته وفي علمي الفقه والهندسة أما في العلمين فقد حكى الأصل أنه اجتمع يوما عالمان عظيمان أحدهما يعلم المعقولات والهندسيات والآخر عالم بالسمعيات والشرعيات فقال الأول للثاني : الهندسة أفضل من الفقه لأنها قطعية والفقه مظنون والقطع أفضل من الظن فقال له الآخر صدقت من هذا الوجه هي أفضل ، غير أن الفقه أفضل منها لأنه يثمر سعادة الآخرة ونعيم الجنان ورضوان الرحمن ، والهندسة لا تفيد ذلك فوافقه الآخر على ذلك وكانا متناصفين رحمهما الله تعالى ، وأما في الوصفين فقال الأصل : علمه تعالى أفضل من الحياة من جهة التعلق الذي له والحياة لا تعلق لها وحياته تعالى أفضل من العلم من جهة أنها شرط فيه وهو متوقف عليها وهي في ذاتها ليست متوقفة عليه لأنه ليس شرطا فيها ولا مانع من أن يكون للحقيقة الواحدة شرف من وجه دون وجه .

( القاعدة السابعة عشرة ) التفضيل بأكثرية الثمرة بأن تكون لكل واحدة من الحقيقتين ثمرة إلا أن ثمرة إحداهما أعظم وجدواها أكثر فتكون ، وله أمثلة أحدها [ ص: 222 ] الفقه والهندسة كلاهما مثمر أحكاما شرعية أما الفقه فظاهر ، وأما الهندسة فلأنها يستعان بها في الحساب والمساحات .

والحساب يدخل في المواريث وغيرها ، والمساحات تدخل في الإجارات ونحوها ومن نوادر المسائل الفقهية التي يحتاج إليها الفقيه المفتي والقاضي الملزم وهي لا تعلم إلا بدقيق الحساب المسألة المحكية عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهي أن رجلين كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلسا يأكلان فجلس معهما ثالث يأكل معهما ، ثم بعد الفراغ من الأكل دفع الثالث لهما ثمانية دراهم وقال اقسما هذه الدراهم على قدر ما أكلته لكما فقال صاحب الثلاثة إنه أكل نصف أكله من أرغفتي ونصف أكله من أرغفتك فأعطني النصف أربعة دراهم فقال له الآخر لا أعطيك إلا ثلاثة دراهم لأن لي خمسة أرغفة فآخذ خمسة دراهم ولك ثلاثة أرغفة تأخذ ثلاثة دراهم فحلف صاحب الثلاثة لا يأخذ إلا ما حكم به الشرع فترافعا إلى علي رضي الله تعالى عنه فحكم لصاحب الثلاثة بدرهم واحد ولصاحب الخمسة بسبعة دراهم فشكا من ذلك صاحب الثلاثة فقال له علي رضي الله عنه الأرغفة ثمانية وأنتم ثلاثة أكل كل واحد منكم ثلاثة إلا ثلثا فبقي من أرغفتك بعد أكلك ثلث رغيف أكله صاحب الدراهم وبقي بعد أكل صاحب الخمسة رغيفان وثلث وذلك سبعة أثلاث أكلها صاحب الدراهم فيكون لك درهم واحد في مقابلة الثلث الذي أكله لك ولصاحب الخمسة سبعة دراهم في مقابلة سبعة إلا ثلاث التي أكلها له ومن غرائب المسائل المساحية المتعلقة بالفقه ويحتاج إليها الفقيه المفتي والقاضي الملزم مسألة رجل استأجر رجلا يحفر له بئرا عشرة أذرع طولا في عشرة عرضا في عشرة عمقا بأجرة معينة فحفر له بئرا خمسة في خمسة في خمسة فاختلف فيما يستحقه من الأجرة فقال ضعفاء الفقهاء يستحق النصف لأنه عمل النصف .

وقال المحققون يستحق الثمن لأنه عمل الثمن وذلك أنه استأجره على ألف ذراع بسبب أن الذراع الأول من العشرة لو عمل وبسط على الأرض ومسح كان حصيرا طوله عشرة وعرضه عشرة ومساحته عشرة في عشرة بمائة فالذراع الأول تحصل مساحته مائة وهي عشرة أذرع في عشرة ، ومائة في عشرة بألف ولم يعمل إلا مائة وخمسة وعشرين بسبب أن الذراع الأول من الخمسة مساحته خمسة وعشرون وهي خمسة أذرع وخمسة وعشرون في خمسة بمائة وخمسة وعشرين ، ونسبة مائة وخمسة وعشرين إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن من الأجرة لأنه إنما عمل ثمن ما استؤجر عليه ، وأمثال هذه الدقائق من المسائل التي لا تحصل إلا من الهندسة فإن علم الهندسة يشمل الحساب والمساحة وغيرهما ، وإن كانت كثيرة ، غير أنها بالنسبة إلى مسائل الفقه قليلة فثمرة الفقه أعظم من ثمرة الهندسة فيكون أفضل منها .

وثانيها علم النحو وعلم المنطق كلاهما له ثمرة جليلة غير أن ثمرة النحو أعظم بسبب أنه يستعان به على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام العرب في نطق اللسان وكتابة اليد فإن اللحن كما يقع في اللفظ يقع في الكتابة ويستعان به في الفقه وغير ذلك مما علم في مواضعه ولا يحتاج إلى المنطق إلا في ضبط المعاني المتعلقة بالبراهين والحدود خاصة وأيضا العقل بمجرده لا يهتدي لتقويم اللسان [ ص: 223 ] وسلامته من اللحن لأنها أمور سمعية ولا مجال للعقل فيها على سبيل الاستقلال فلا بد من النحو بالضرورة فيها والمنطق يكفي في معرفة قواعده الطبع السليم والعقل المستقيم فيستغنى عنه بصفاء العقل فصارت الحاجة للنحو أعظم وثمرته أكثر فيكون أفضل

وثالثها علم النحو مع علم أصول الفقه كلاهما مثمر غير أن أصول الفقه من حيث إن الشريعة من أولها إلى آخرها مبنية عليه فلا تؤخذ أحكامها إلا منه فهي ثمرته والنحو إنما أثره في تصحيح الألفاظ ، وبعض المعاني والألفاظ إنما هي وسائل والأحكام الشرعية مقاصد بالنسبة إلى الألفاظ والمقاصد أفضل من الوسائل




الخدمات العلمية