الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثالث والخمسون والمائة بين قاعدة زواج الإماء في ملك غير الزوج وبين قاعدة زواج الإنسان لإمائه المملوكات له والمرأة لعبدها أو في غير ملكها فإن الأول يصح بشرطه والثاني باطل والفرق مبني على قواعد )

( القاعدة الأولى ) أن كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يشرع ولذلك لا يحد المجنون بسبب الجناية في الصحة ولا السكران لأن مقصود الحد الزجر بما يشاهد المكلف من المؤلمات والمذلات والمهانات في نفسه وإنما يحصل ذلك بمرآة العقل وكذلك لا يشرع اللعان لنفي النسب في حق المجبوب ولا من لا يولد له لأنه لا يلحق به ذلك النسب ولا يفيد اللعان شيئا وكذلك لا يشرع عقد البيع مع الجهالة والغرر لأن مقصوده تنمية المال وتحصيل مقاصد العوضين وذلك بعيد الجهالة والغرر ويكفي أنه غير معلوم ولا مظنون فلا يشرع البيع ونظائر هذه القاعدة كثيرة فلهذه القاعدة لا يشرع نكاح الرجل أمته لأن مقاصد النكاح حاصلة قبل العقد بالملك فلم يحصل العقد له في أمته

( القاعدة الثانية ) من مقتضى الزوجية قيام الرجل على المرأة بالحفظ والصون والتأديب لإصلاح الأخلاق لقوله تعالى { الرجال قوامون على النساء } والاسترقاق يقتضي قهر السادات والقيام على الرقيق للأعمال وإصلاح الأخلاق في جميع ذلك والاستيلاء بالاستهانة فيتعذر أن تكون أمة الإنسان زوجته وعبد المرأة زوجها لتناقض آثار الحقوق

( القاعدة الثالثة ) كل أمرين لا يجتمعان يقدم الشرع أقواهما على أضعفهما وكذلك العقل والعرف والرق [ ص: 136 ] أقوى من النكاح لكونه يوجب التمكن من المنافع التي بعضها حل النكاح مع صحة الإيجار والإخدام مع ملك الرقبة ولا يقتضي النكاح غير إباحة الوطء فيكون لذلك أقوى فيقدم على النكاح وبهذه القاعدة نجيب عن قول السائل إذا اشترى امرأته انفسخ النكاح السابق لطروء المنافي عليه فكذلك إذا تزوج أمته ينبغي أن يبطل الملك لورود المنافي عليه فنقول في الجواب إن المدرك ليس تقديم الطارئ على السابق بل المدرك أن الرق أقوى وهو مقدم في الحالتين إن تقدم قدم وإن تأخر قدم فإن سبق لا يبطل وإن طرأ أبطل وهذا هو أثر القوة والرجحان فاندفع السؤال وبهذه القواعد الثلاث ظهر الفرق بين اجتماع النكاح والرق الكائن لغير الزوجين وبين امتناع اجتماعهما إذا كان الرق للزوجين .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثالث والخمسون والمائة بين قاعدة زواج الرجل الإماء في ملك غيره والمرأة العبد في ملك غيرها وقاعدة نكاح الرجل الإماء في ملكه والمرأة العبد في ملكها )

حيث إن الثاني باطل اتفاقا فيفسخ نكاح المرأة إذا ملكت زوجها والأول صحيح بشرطه وهو في الرجل عدم الطول وخوف العنت كما هو مشهور مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة والشافعي وقال قوم يجوز بإطلاق وهو المشهور من مذهب ابن القاسم وهو في المرأة أن ترضى هي وأولياؤها بذلك ولا خلاف في هذا كما في بداية المجتهد لابن رشد الحفيد ولا بد من بيان أمرين أولهما مبنى الفرق بين القاعدتين بالصحة والبطلان وثانيهما السبب في اختلافهم في اشتراط الطول وخوف العنت إذا نكح الحر أمة وعدمه

( أما الأمر الأول ) أي مبنى الفرق بين القاعدتين بالصحة والبطلان فثلاث قواعد

( القاعدة الأولى ) أن كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يشرع ونظائر هذه القاعدة كثيرة ( منها ) أن الجاني في صحة عقله لا يحد حال جنونه أو سكره لأن مقصود الحد الزجر بما يشاهده المكلف من المؤلمات والمذلات والمهانات في نفسه وإنما يحصل ذلك بمرآة العقل ( ومنها ) أن اللعان لنفي النسب لا يشرع في حق المجبوب ومن لا يولد له لأن النسب لا يلحق به فلا يفيد اللعان شيئا ( ومنها ) أن عقد البيع لا يشرع مع الجهالة والغرر لأن مقصوده تنمية المال وتحصيل مقاصد العوضين وذلك مع الجهالة والغرر غير معلوم ولا مظنون بل هو بعيد ( ومنها ) ما هنا من أنه لا يشرع نكاح الرجل أمته لأن مقاصد النكاح حاصلة بالملك قبل العقد ولم يحصل العقد شيئا

( القاعدة الثانية ) أن مقتضى الزوجية يناقض مقتضى الاسترقاق وذلك لأن مقتضى الزوجية قيام الرجل على المرأة بالحفظ والصون والتأديب لإصلاح الإحلال لقوله تعالى { الرجال قوامون على النساء } ومقتضى الاسترقاق قيام السادات على الرقيق بالقهر والاستيلاء والاستهانة للأعمال وإصلاح الأخلاق ومع تناقض آثار الحقوق يتعذر أن تكون أمة الإنسان زوجته وعبد المرأة زوجها

( القاعدة الثالثة ) أن كل أمرين لا يجتمعان يقدم الشرع أقواهما على أضعفهما فمن ذلك الرق من حيث إنه يقتضي مع ملك الرقبة صحة الإيجار والإخدام والتمكن من المنافع التي بعضها حل الوطء يكون أي الرق أقوى من النكاح فيقدم عليه بحيث يفسخ النكاح إن طرأ هو عليه كما إذا اشترى الزوج امرأته ولا يبطل إن طرأ النكاح عليه كما إذا تزوج الرجل أمته ليتحقق أثر قوته عليه فلا يقال كان ينبغي حيث فسخ النكاح بطروه عليه لورود المنافي أن يبطل الملك بطرو النكاح عليه لذلك فافهم وأما

( الأمر الثاني ) أي السبب في اختلافهم في كون نكاح الحر الأمة يشترط فيه ما ذكر أي من الطول وخوف العنت أم لا فهو كما في بداية المجتهد معارضة دليل الخطاب في قوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح } الآية لعموم قوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين } الآية الأولى يقتضي أن لا يحل نكاح الأمة إلا بشرطين

( أحدهما ) عدم الطول إلى الحرة والثاني خوف العنت وعموم الآية الثانية يقتضي عدم الاشتراط لكن دليل الخطاب أقوى هاهنا والله أعلم من العموم لأن هذا العموم لم يتعرض فيه إلى صفات الزوج المشترطة في نكاح الإماء وإنما المقصود به الأمر [ ص: 170 ] بإنكاحهن وهو أيضا محمول على الندب عند الجمهور مع ما في ذلك من إرقاق الرجل ولده . ا هـ

كلام ابن رشد الحفيد ملخصا قال واختلف الذين لم يجيزوا النكاح إلا بالشرطين المنصوص عليهما في فرعين مشهورين

( أحدهما ) هل الحرة إذا كانت تحته طول أو ليست بطول قال أبو حنيفة هي طول وقال غيره ليست بطول وعن مالك في ذلك القولان

( والفرع الثاني ) هل يجوز لمن فيه هذان الشرطان نكاح أكثر من أمة واحدة والسبب في اختلافهم في الفرعين هو أن خوف العنت هل لا يعتبر إلا في العزب فمن لم يكن عزبا بل تحته حرة أو أمة واحدة لم يجز له نكاح الأمة لو أنه يعتبر مطلقا سواء كان عزبا أو متأهلا لأنه قد لا تكون الزوجة الأولى حرة كانت أو أمة مانعة من العنت وهو لا يقدر على حرة تمنعه من العنت فله أن ينكح على الأولى ولو حرة أمة لأن مع هذه الحرة في خوف العنت كحاله قبلها وبخاصة إذا خشي العنت من الأمة التي يريد نكاحها لكن اعتبار خوف العنت مطلقا فيه نظر وإذا قلنا إن له أن يتزوج على الحرة أمة فتزوجها بغير إذنها فهل لها الخيار في البقاء معه أو في فسخ النكاح ؟

قولان لمالك رحمه الله تعالى واختلف أصحاب مالك إذا وجد طولا بحرة هل يفارق الأمة أم لا ولم يختلفوا فيما إذا ارتفع عنه خوف العنت أنه لا يفارقها . ا هـ ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية