الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة الرابعة ) في الشرط الثالث وهو الضمان بجعل في بيان سره [ ص: 295 ] وذلك بيان قاعدة وهي أن الأشياء ثلاثة أقسام : قسم اتفق الناس على أنه قابل للمعاوضة كالبر والأنعام وقسم اتفق الناس على عدم قبوله للمعاوضة كالدم والخنزير ونحوهما من الأعيان والقبلة والتعانق من المنافع وكذلك النظر إلى المحاسن ، ولذلك لا نوجب فيها عند الجناية عليها شيئا ؛ لأنها غير متقومة شرعا ، ولو كانت تقبل القيمة الشرعية لوجبت عند الجناية عليها كسائر المنافع الشرعية ومنها ما اختلف فيه هل يقبل المعاوضة أم لا كالأزبال وأرواث الحيوان من الأعيان والأذان والإمامة من المنافع فمن العلماء من أجازه ومنهم من منعه إذا تقررت هذه القاعدة فالضمان في الذمم من قبيل ما منع الشرع المعاوضة فيه وإن كان منفعة مقصودة للعقلاء كالقبلة ، وأنواع الاستمتاع مقصودة للعقلاء ولا تصح المعاوضة عليها فإن صحة المعاوضة حكم شرعي يتوقف على دليل شرعي ، ولم يدل دليل عليه فوجب نفيه أو يستدل بالدليل النافي لانتفاء الدليل المثبت وهو القياس على تلك الصور .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الشرط الثالث ) السلامة من الضمان بجعل فلا يجوز أن يسلم جذع في نصف جذع من جنسه وسره قاعدة أن الأشياء ثلاثة أقسام

( قسم ) اتفق الناس على أنه قابل للمعاوضة كالبر والأنعام

( وقسم ) اتفق الناس على عدم قبوله للمعاوضة كالدم والخنزير ونحوهما من الأعيان والقبل والتعانق والنظر إلى المحاسن ونحوها من المنافع ولذلك لم نوجب فيها شيئا عند الجناية عليها لأنها غير متقومة شرعا ، ولو كانت تقبل القيمة الشرعية لوجب فيها شيء عند الجناية عليها كسائر المنافع الشرعية

( وقسم ) اختلف الناس فيه هل يقبل المعاوضة أم لا كالأزبال وأرواث الحيوان من الأعيان وكالأذان والإمامة من المنافع فمن العلماء من أجازه ومنهم من منعه وذلك أن الضمان في الذمم وإن كان منفعة مقصودة للعقلاء إلا أن المعاوضة فيها لا تصح ؛ لأن صحة المعاوضة حكم شرعي يتوقف على دليل شرعي ولم يدل دليل عليه فوجب نفيه ، وأما ؛ لأنها كالقبلة وأنواع الاستمتاع مما هو مقصود للعقلاء ولا تصح المعاوضة عليه

( الشرط الرابع ) السلامة من النساء في الربوي فلا يجوز أن يسلم النقدان في تراب المعادن قال الحفيد في البداية لا خلاف في امتناع السلم فيما لا يجوز فيه النساء وذلك إما اتفاق المنافع على ما يراه مالك رحمه الله وإما اتفاق الجنس على ما يراه أبو حنيفة وإما اعتبار الطعم مع الجنس على ما يراه الشافعي في علة النساء ا هـ .

وإما على ما يراه ابن حنبل رحمه الله ففي الإقناع مع شرحه كل شيئين من جنس أو جنسين ليس أحدهما نقدا علة ربا الفضل وهو الكيل والوزن كما تقدم فيهما واحدة كمكيل بمكيل من جنسه أو غيره بأن باع مد بر جنسه أي يبرأ وباع مد بر بشعير ونحوه كباقلا وعدس وأرز وموزون بموزون بأن باع رطل حديد بجنسه أي بحديد أو باع رطل حديد بنحاس ونحوه كرصاص وقطن وكتان لا يجوز النساء فيهما بغير خلاف نعلمه ا هـ محل الحاجة منه .

( الشرط الخامس ) أن يكون المسلم فيه يمكن ضبطه بالصفات فيمتنع سلم خشبة في تراب المعادن نعم سيأتي عنالحفيد في البداية أن الضبط باتحاد النوع يقوم مقام الضبط بالصفات واعلم أن هذا الشرط لا يغني عن الشرط السابع الآتي لا سيما إذا أريد الإمكان العام لقول صاحب سلم العلوم ، ولو استقريت علمت أن الممكنة العامة أعم القضايا والممكنة الخاصة أعم المركبات والمطلقة العامة أعم الفعليات والضرورية المطلقة أخص [ ص: 293 ] البسائط والمشروطة الخاصة أخص المركبات على وجه ا هـ .

ولا شك أن الشرط السابع يتضمن الإطلاق العام والأعم لا يستلزم الأخص فافهم ( الشرط السادس ) أن يقبل أي المسلم فيه النقل حتى يكون في الذمة فلا يجوز السلم في الدور قال الحفيد في البداية اتفقوا على امتناع السلم فيما لا يثبت في الذمة وهي الدور والعقار وعلى جوازه في كل ما يكال أو يوزن لما روي عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلمون الثمار السنتين والثلاث فقال من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم } متفق عليه .

وأما سائر ذلك من العروض والحيوان فاختلفوا فيها فمنع ذلك داود وطائفة من أهل الظاهر مصيرا إلى ظاهر هذا الحديث والجمهور على أنه جائز في العروض التي تنضبط بالصفة والعدد واختلفوا من ذلك فيما ينضبط مما لا ينضبط بالصفة فمن ذلك الحيوان والرقيق فذهب مالك والشافعي والأوزاعي والليث إلى أن السلم فيهما جائز وهو قول ابن عمر من الصحابة .

وقال أبو حنيفة والثوري وأهل العراق لا يجوز السلم في الحيوان وهو قول ابن مسعود ، وعن عمر في ذلك قولان وعمدة أهل العراق في ذلك ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن السلف في الحيوان } ، وهذا الحديث ضعيف عند الفريق الأول وربما احتجوا بنهيه أيضا عليه الصلاة والسلام عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وعمدة من أجاز السلم في الحيوان ما روي عن { ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلاص الصدقة فأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة } .

وحديث أبي رافع أيضا { أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا } قالوا ، وهذا كله يدل على ثبوته في الذمة فسبب اختلافهم شيئان أحدهما تعارض الآثار في هذا المعنى والثاني تردد الحيوان بين أن يضبط بالصفة أو لا يضبط فمن نظر إلى تباين الحيوان في الخلق والصفات وبخاصة صفات النفس قال لا تنضبط ، ومن نظر إلى تشابهها قال تنضبط ومن ذلك اختلافهم في البيض والدر وغير ذلك فلم يجز أبو حنيفة السلم في البيض وأجازه مالك بالعدد ، وكذلك في اللحم أجازه مالك والشافعي ومنعه أبو حنيفة ، وكذلك في الرءوس والأكارع أجازه مالك ومنعه أبو حنيفة واختلف في ذلك قول الشافعي ، وكذلك في الدر والغصوص أجازه مالك ومنعه الشافعي ا هـ .

( الشرط السابع ) أن يكون معلوم المقدار فلا يسلم في الجزاف قال الحفيد في البداية أجمعوا على اشتراط أن يكون أي المسلم فيه مقدرا لا جزافا ، ثم قال واختلفوا في اشتراط أن يكون الثمن مقدرا لا جزافا والتقدير في السلم يكون بالكيل فيما يمكن فيه الكيل وبالوزن فيما يمكن فيه الوزن وبالذرع فيما يمكن فيه الذرع وبالعدد فيما يمكن فيه العدد وما لا يمكن فيه أحد هذه التقريرات انضبط بالصفات المقصودة من الجنس مع ذكر الجنس إن كان أنواعا مختلفة أو مع تركه إن كان نوعا واحدا فاشترط ذلك أي التقدير في الثمن أبو حنيفة ولم يشترط فيه الشافعي ولا صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد قالوا ، وليس يحفظ عن مالك في ذلك نص إلا أنه يجوز عنده بيع الجزاف إلا فيما يعظم الغرر فيه .

وعند ابن حنبل رحمه الله تعالى في كشاف القناع السلم عوض يثبت في الذمة فاشتراط العلم به كالثمن وطريقه الرؤية أو الصفة والأول يمتنع فتعين الوصف ا هـ .

( الشرط الثامن ) ضبط الأوصاف التي تختلف المالية [ ص: 294 ] باختلافها نفيا للغرر أي أوصاف المسلم فيه التي تختلف بها الأثمان عند المتبايعين اختلافا يتغابن الناس في مثله عادة كالنوع أي الصنف كرومي وحبشي والجودة والرداءة والتوسط في كل مسلم فيه واللون في الحيوان والثوب والعسل ومرعاه وفي التمر والحوت والناحية والقدر وفي البر وجدته وملئه إن اختلف الثمن بهما وسمراء ومحمولة ببلدهما به ، ولو بالحمل بخلاف مصرفا لمحمولة والشام فالسمراء ونفي الغلت وفي الحيوان وسنه والذكورة والسن وضديهما وفي اللحم وخصيا وراعيا ومعلوفا لا من كجنب وفي الرقيق والقد والبكارة واللون وكالدعج وتكلثم الوجه وفي الثوب والرقة والصفاقة وضديهما وفي الزيت المعصر منه وبما يعصر انظر خليلا وشراحه وبهذا قال الإمام أحمد بن حنبل كما في الإقناع وشرحه .




الخدمات العلمية