الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( القسم الثاني ) ما تتناوله الآية لكن حكم فيه بمستند باطل فهذا ينقض لفساد المدرك لا لعدم الولاية فيه ، وهو الحكم الذي خالف أحد أربعة أمور إذا حكم على خلاف الإجماع ينقض قضاؤه أو خلاف النص السالم عن المعارض أو القياس الجلي السالم عن المعارض أو قاعدة من القواعد السالمة عن المعارض ، ولا بد في الجميع من اشتراط السلامة عن المعارض أي المعارض والراجح فإنه لو قضي في عقد الربا بالفسخ لم ينقض قضاؤه ، وإن كان قضاؤه على خلاف قوله تعالى { وأحل الله البيع } لأنه عورض بالنصوص الدالة على تحريم الربا ، وكذلك لو قضي في لبن المصراة بالثمن لم ينقض قضاؤه ، وإن كان على خلاف قاعدة إتلاف المثليات أن يجب جنسها لأجل ورود النص في ذلك نعم لو قضى بصحة نكاح بغير ولي فسخناه لكونه على خلاف قوله عليه السلام { أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل } ، ولو قضى باستمرار عصمة من لزمه الطلاق بناء على المسألة السريجية نقضناه لكونه على خلاف قاعدة أن الشرط قاعدته صحة اجتماعه مع المشروط ، وشرط السريجية لا يجتمع مع مشروطه أبدا فإن تقدم الثلاث لا يجتمع مع لزوم الطلاق بعدها ، ونحو ذلك ، وكذلك لو حكم حدسا ، وتخمينا من غير مدرك شرعي ينقض إجماعا ، وهو فسق ممن فعله قاله ابن محرز [ ص: 41 ] من أصحابنا .

ونقل ابن يونس عن عبد الملك أنه قال ينتقض عند مالك قضاء القاضي لمخالفة السنة كالقضاء باستسعاء العبد لعتق بعضه فإن الحديث ورد بأنه لا يستسعى ، وكالشفعة للجار بعد القسمة لقوله عليه السلام { الشفعة فيما لم يقسم } أو يحكم بشهادة النصراني لقوله تعالى { ذوا عدل منكم } أو بميراث العمة ، والخالة ، والمولى الأسفل لقوله عليه السلام { ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر } ، وكل ما هو على خلاف عمل المدينة ، ولم يقل به إلا شذوذ العلماء ، وخالف ابن عبد الحكم .

وقال لا تنقض شفعة الجار ، وما ذكر معه من الفروع لضعف موجب النقص عنده ، وجمهور الأصحاب على خلافه ، وفي النوادر لأبي محمد قال محمد مما ينقض نقض ما لا ينقض فإذا قضى قاض بأن ينقض حكم الأول ، وهو مما لا ينقض نقض الثالث حكم الثاني لأن نقضه خطأ ، ويقر الأول ، وكذلك لو تصرف السفيه الذي تحت حجر القاضي بالبيع والنكاح وغيرهما فرده فجاء قاض ثان فأنفذه نقض الثالث هذا التنفيذ ، وأقر الأول ، وكذلك لو فسخ الثاني الحكم بالشاهد ، واليمين رده الثالث لأن النقض في مواطن الاجتهاد خطأ ، ونقض الخطأ متعين .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( القسم الثاني ) ما تتناوله الولاية لكن حكم بمستند باطل بأن حكم فيه على خلاف أحد أربعة أمور الإجماع السالم عن المعارض ، والنص السالم عن المعارض ، والقياس الجلي السالم عن المعارض .

وقاعدة من القواعد السالمة عن المعارض فلا بد في نقض الحكم المخالف لواحد من جميع هذه الأربعة من اشتراط السلامة عن المعارض أي المعارض الراجح فإن خالفه ، وثم معارض أرجح لم ينقض قضاؤه ( ولكل ) من المخالفة لواحد منها مع المعارض الراجح أو مع عدمه نظائر .

( أما الأول ) فمن نظائره أنه لو قضى في عقد الربا بالفسخ لم ينقض قضاؤه على خلاف قوله تعالى { وأحل الله البيع } لأنه عورض بالنصوص الدالة على تحريم الربا ( ومنها ) أنه لو قضى في لبن المصراة بالثمن لم ينقض قضاؤه ، وإن كان على خلاف قاعدة إتلاف المثليات أنه يجب جنسها لأجل ورود النص في ذلك .

وأما الثاني فعلى أربعة أنواع : ( الأول ) ما قضى فيه بمدرك شاذ مخالف لمدرك إمامه الذي لم يثبت عند جميع أصحابه له معارض راجح ، ومن نظائره أنه لو قضى بصحة نكاح بلا ولي فسخناه لكونه على خلاف قوله عليه الصلاة والسلام { أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل } ( ومنها ) أنه لو قضى باستمرار عصمة من لزمه الطلاق أي الثلاثة بناء على المسألة السريجية نقضناه لكون شرط السريجية لم يجتمع مع مشروطه أبدا فإن تقدم الثلاث لا يجتمع مع لزوم الطلاق بعدها فكان على خلاف قاعدة صحة اجتماع الشرط مع مشروطه .

( والنوع الثاني ) ما قضى فيه بالشاذ المخالف لمدرك إمامه الذي لم يثبت عند جمهور أصحابه له معارض راجح ، ومن نظائره ما نقله ابن يونس عن عبد الملك أنه قال ينقض عند مالك قضاء القاضي لمخالفة السنة كالقضاء باستسعاء العبد لعتق بعضه فإن الحديث ، ورد بأنه لا يستسعى ، وكالشفعة للجار أو بعد القسمة لقوله عليه السلام { الشفعة فيما لم يقسم } أو يحكم بشهادة النصراني لقوله تعالى { ذوا عدل منكم } أو بميراث العمة والخالة والمولى الأسفل لقوله عليه السلام { ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر } ، وكل ما هو على خلاف عمل أهل المدينة ، ولم يقل به إلا شذوذ العلماء فإن جمهور الأصحاب على نقضه ، وخالفهم ابن عبد الحكم .

وقال لا تنقض شفعة الجار ، وما ذكر معه من الفروع لضعف موجب النقض عنده . ( والنوع [ ص: 81 ] الثالث ) ما قضي فيه بنقض ما لم ينقض ففي النوادر لأبي محمد قال محمد مما ينقض نقض ما لا ينقض فإذا قضى قاض بأن ينقض حكم الأول ، وهو مما لا ينقض نقض الثالث حكم الثاني لأن نقضه خطأ ويقر الأول ، وكذلك لو تصرف السفيه الذي تحت حجر القاضي بالبيع والنكاح وغيرهما فرده فجاء قاض ثان فأنفذه نقض الثالث هذا التنفيذ ، وأقر الأول ، وكذلك لو فسخ الثاني الحكم بالشاهد واليمين رده الثالث لأن النقض في مواطن الاجتهاد خطأ ، ونقض الخطأ متعين

( والنوع الرابع ) ما لو حكم حدسا وتخمينا من غير مدرك شرعي فإنه ينقض إجماعا ، وهو فسق ممن فعله قاله ابن محرز من أصحابنا .




الخدمات العلمية