الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) تسري العبد وفيه طريقان :

أحدهما : بناؤه على الخلاف في ملكه فإن قلنا : يملك جاز تسريه وإلا فلا ; لأن الوطء بغير نكاح ولا ملك يمين محرم بنص الكتاب والسنة وهي طريقة القاضي والأصحاب بعده .

والثانية : يجوز تسريه على كلا الروايتين وهي طريقة الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى ورجحها صاحب المغني وهي أصح فإن منصوص أحمد لا تختلف في إباحة التسري له ، فتارة علل بأنه يملك وتارة اعترف بأنه خلاف القياس وأنه جاز لإجماع الصحابة عليه وهذا يقتضي أنه أجاز التسري وإن قيل لا يملك اتباعا للصحابة في ذلك ووجهه أن العبد وإن قيل إنه لا يملك فلا بد من أن يثبت له ملك ما يحتاج إلى الانتفاع به ولذلك يملك عقد النكاح وهو ملك لمنفعة البضع فكذلك يملك التسري ويثبت له هذا الملك الخاص لحاجته إليه ولا يجوز تسريه [ ص: 389 ] بدون إذن . نص عليه في رواية جماعة كنكاحه ; ولأنه لا يملك التصرف في ماله بما يتلف ماليته ويضر به لتعلق حق السيد به ، والتسري فيه إضرار بالجارية ، وتنقيص لماليتها بالوطء والحمل وربما أدى إلى تلفها . ونقل عنه أبو طالب وإبراهيم بن هانئ يتسرى العبد في ماله كان ابن عمر يتسرى عبيده في ماله فلا يعيب عليهم .

قال القاضي فيما علقه على حواشي الجامع للخلال ظاهر هذا أنه يجوز تسريه من غير إذن له لأنه مالك له . انتهى .

ويمكن أن يحمل نص اشتراطه على التسري من مال سيده إذا كان مأذونا له ونصه يقدم على اشتراط تسريه في مال نفسه الذي يملكه وقد أومأ إلى هذا في رواية جماعة وهو الأظهر ونقل الأثرم عنه في الرجل يهب لعبده جارية لا يطؤها ولكنه يتسرى في ماله إذا أذن له سيده وفسر ماله بمال العبد الذي في يديه وهذا في اعتبار الإذن في التسري من مال نفسه وتفريقه بين ذلك وبين الأمة التي يملكها السيد فيه إشكال ولعله منع الوطء بدون إذن السيد فيكون ذلك منه اشتراطا لإذن السيد بكل حال .

واعلم أن الإمام أحمد متردد في تسري العبد بأمة سيده ونكاحه هل هما جنس واحد أم لا فقال في رواية حنبل : لا يبيع أمته المزوجة بعبده حتى يطلقها العبد فجعله تمليكا لازما ونقل عنه الأكثرون جوازه واختلف عنه في بيع سرية عبده فنقل عنه الميموني الجواز ونقل عنه جعفر بن محمد المنع معللا بأن التسري بمنزلة النكاح يريد أنه لازم لا يجوز الرجوع فيه وكذا نقل عنه ابن هانئ وغيره واختلف عنه في جواز تسري العبد بأكثر من أمتين فنقل عنه الميموني الجواز وأبو الحارث المنع كالنكاح ، ولم يختلف عنه في أن العبد وسريته يوجب تحريمهما عليه لزوال ملكه عنها ونقله عن ابن عمر واختلف عنه في عتق العبد وزوجته هل ينفسخ به النكاح ؟ على روايتين بناء على تغليب جهة التمليك فيه أو جهة النكاح وقد استشكل أكثر هذه النصوص القاضي وربما أولها ونزلها على ما ذكر الشيخ تقي الدين وهذه المسائل المذكورة منصوصة عن السلف حكما وتعليلا كما ذكرنا وكذلك قال الشيخ مجد الدين ظاهر كلام أحمد إباحة التسري للعبد وإن قلنا : لا يملك فيكون نكاحا عنده وحمل قول أبي بكر على مثل ذلك وعلى هذا فهل يشترط له الإشهاد وكلام أحمد يقتضي استحبابه لا غير وفي ثبوت المهر به خلاف معروف

التالي السابق


الخدمات العلمية