الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الفصل السادس فيما يتقدم من حقوق الرب على حقوق عباده إحسانا إليهم في أخراهم وله أمثلة : منها تقديم الصلوات المفروضات عند ضيق الأوقات على الرفاهية والشراب والطعام وسائر التصرفات ، وليس تقديم إنقاذ الغرقى وتخليص الهلكى على الصلوات من هذا الباب وإنما هو من باب تقديم حق الله وحق العباد على الصلوات ، ومنها تحمل المشقات في العبادات فإنها مقدمة على قضاء الأوطار والراحات ، ومنها تقديم الزكاة على الحاجات ، [ ص: 174 ] ومنها بذل النفوس والأموال في قتال الكفار مع تعريض النفوس والأعضاء للفوات ، ومنها تقديم سراية العتق على صرف الأموال في قضاء الأوطار ودفع الحاجات ، وهذا على الحقيقة حق لله وحق للعبد ، لكن غلب فيه حق الله إذ لا يسقط بإسقاط العبد ، ولا يجوز له تأخيره تغليبا لحق الله عز وجل ، ومنها التغرير بالنفوس والأعضاء في قتال من يجب قتاله ، فمن يمتنع من أداء حق يجب أداؤه بالمحاربة كقتال البغاة ومانعي الزكاة ، ومنها تحريم الوطء في الصوم والحج والعمرة والاعتكاف ، ومنها تحريم وطء الحيض في جميع الأحوال إلا في حال إلجاء أو إكراه ، ومنها تحريم وطء المتحيرة في جميع الأوقات وتضعيف الصوم عليها حتى يبلغ شهرين فما زاد .

وكذلك الصلوات في جميع الأوقات ، وكذلك غسل العصائب عند أوقات الصلوات ، ومنها تحريم لباس المخيط وتحريم ستر رءوس الرجال ووجوه النساء في الإحرام ، وكذلك تحريم قلم الأظفار وإبانة الشعر والطيب والإدهان في الإحرام والتلذذ بالنساء ، وتحريم أكل الصيد والاصطياد ، ومنها تحريم النكاح والإنكاح في الإحرام ، ومنها تحريم الطعام والشراب والجماع على الصوام ، ومنها تزكية الشهود فإن الغالب عليها حق الله إذ لا تسقط بإسقاط المشهود عليه ، ومنها الأنساب فإنها حق لله ولعباده ولا تسقط بإسقاط مسقطيها ، ومنها تحليف المدعى عليه فإن الغالب عليه حق الله ، فلو رضي المدعي بأن يجعل القول قول المدعى عليه من غير نكول لم يسمع ذلك منه ، ومنها دفع الغرر عن البياعات فإنه اعتبر للحقين ، والغالب عليه حق الله بدليل أنه لا يسقط بإسقاط عصبات المزني بها لأن الشرع لو فوض استيفاءه إليهم لما استوفوه خوفا من العار والشنار ، بخلاف استيفاء القصاص وحد القذف فإنهما حقان لله ولعباده ، غلب عليهما حق العبد بالاستيفاء والإسقاط شفاء لغليل المقذوف والمجني عليه إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا ، ومن ذلك حد [ ص: 175 ] السرقة وجب صيانة للأموال ، ولم يفوض إلى المسروق منه لغلبة الرحمة على الملاك أن يقطعوا السارق بسرقة ربع دينار ونظائر هذا كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية