الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1531 81 \ 1475 - وعن أوس بن أوس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قال: فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ قال: يقولون: بليت، قال، إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء .

                                                              وأخرجه النسائي وابن ماجه، وله علة، وقد جمعت طرقه في جزء مفرد .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وقد غلط في هذا الحديث فريقان: فريق في لفظه، وفريق في تضعيفه، فأما الفريق الأول فقالوا: اللفظ به "أرمت" بفتح الراء وتشديد الميم وفتحها وفتح التاء، قالوا: وأصله: "أرممت"، أي صرت [ ص: 255 ] رميما، فنقلوا حركة الميم إلى الراء قبلها، ثم أدغموا إحدى الميمين في الأخرى، وأبقوا تاء الخطاب على حالها، فصار "أرمت"، وهذا غلط، إنما يجوز إدغام مثل هذا إذا لم يكن آخر الفعل ملتزم السكون، لاتصال ضمير المتكلم والمخاطب ونون النسوة به، كقولك: "أرم، وأرما، وأرموا"، وأما إذا اتصل به ضمير يوجب سكونه لم يجز الإدغام لإفضائه إلى التقاء الساكنين على غير حدهما، أو إلى تحريك آخره، وقد اتصل به ما يوجب سكونه.

                                                              ولهذا لا نقول "أمدت، وأمدت، وأمدن" في "أمددت وأمددت وأمددن" لما ذكر، وهؤلاء لما رأوا الفعل يدغم إذا لم يكن آخره ساكنا، نحو "أرم" ظنوا أنه كذلك في "أرممت"، وغفلوا عن الفرق.

                                                              والصواب فيه: "أرمت" بوزن "ضربت" فحذفوا إحدى الميمين تخفيفا، وهي لغة فصيحة مشهورة جاء بها القرآن في قوله تعالى: ظلت عليه عاكفا وقوله فظلتم تفكهون وأصله ظللت عليه وظللتم تفكهون، ونظائره كثيرة.

                                                              وأما الفريق الثاني الذين ضعفوه فقالوا: هذا الحديث معروف بحسين بن علي الجعفي، حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، قالوا: ومن نظر ظاهر هذا الإسناد لم يرتب في صحته، لثقة رواته وشهرتهم وقبول الأئمة أحاديثهم واحتجاجهم بها.

                                                              وحدث بهذا الحديث عن حسين الجعفي جماعة من النبلاء، قالوا: وعلته: أن حسين بن علي الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم لا يحتج به، فلما حدث به حسين الجعفي غلط في اسم [ ص: 256 ] الجد، فقال: ابن جابر.

                                                              وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه; قال البخاري في "التاريخ الكبير": "عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي، عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير، ويقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة: أبو أسامة وحسين فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. وابن تميم أصح.

                                                              وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم؟ فقال: عنده مناكير، يقال: هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي وقالا: هو ابن يزيد بن جابر، وغلطا في نسبه، ويزيد بن تميم أصح، وهو ضعيف الحديث.

                                                              وقال أبو بكر الخطيب: "روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ووهموا في ذلك، والحمل عليهم في تلك الأحاديث.

                                                              وقال موسى بن هارون الحافظ: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذلك وهما منه، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف".

                                                              [ ص: 257 ] قالوا: وقد أشار غير واحد من الحفاظ إلى ما ذكره هؤلاء الأئمة.




                                                              الخدمات العلمية