الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        فروع:

        الفرع الأول: الأولى بالصوم عن الميت هو الولي، واختلفوا في المراد بالولي على أقوال:

        فقيل: هو العاصب.

        وقيل: هو الوارث.

        [ ص: 152 ] وقيل: هو ولي المال، كالأب والجد.

        وقيل: هو كل قريب للميت، وإن لم يكن عاصبا، ولا وارثا، ولا ولي مال، وهو المذهب عند الشافعية، ورجحه النووي وابن حجر.

        والأقرب -والله أعلم- الولي هو كل قريب للميت; وذلك لما يلي:

        1- حديث بريدة -رضي الله عنه- قال: «بينما أنا جالس عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ أتت امرأة فقالت: إني تصدقت عن أمي بجارية، وإنها ماتت، فقال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث، قالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها».

        وجه الدلالة منه: في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «صومي عنها» فهنا أمر موجه إلى امرأة وهي ليست من العصبة، فعدم استفصال النبي -صلى الله عليه وسلم- منها عن إرثها وعدمه، وهل هي وصية أم لا؟ يدل على العموم، كما هو مقرر في الأصول على مقتضى قاعدة: «ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال» وأن المراد بالولي في حديث عائشة هو مطلق القريب.

        2- أن الولي من الولي، وهو القرب، فيحمل عليه ما لم يدل دليل على خلافه.

        [ ص: 153 ] 3- وقياسا على الحج الواجب، حيث لا يتوقف فعله عن الغير على الإذن، فكذا الصوم.

        الفرع الثاني: إذا اتفقت الورثة على أن يصوم -عن ميتهم- واحد منهم جاز ذلك، وإن حصلت مشاحة، قسمت عليهم الأيام الواجب صيامها على قدر إرثهم من الميت، وذلك قطعا للنزاع، وإبراء لذمة الميت.

        الفرع الثالث: صوم جماعة في وقت واحد عن شخص واحد.

        اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

        القول الأول: يجزئ.

        وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.

        قال النووي: « هذه المسألة مما لم أر لأصحابنا كلاما فيها، وقد ذكر البخاري في صحيحه عن الحسن البصري أنه يجزئه، وهذا هو الظاهر الذي نعتقده».

        (300) قال الحسن: «إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا أجزأه».

        [ ص: 154 ] (301) وروى عبد الرزاق، عن الثوري، عن ليث، عن طاوس أن امرأة ماتت وعليها صوم سنة، وتركت زوجها وبنيها ثلاثة، قال طاوس: صوموا عنها سنة كلكم.

        ويظهر -والله أعلم- أنه اختيار البخاري.

        واستدلوا بما يلي:

        1- إن المقصود يحصل به مع إنجاز إبراء الذمة.

        2- قياسا على ما لو كان عليه حج إسلام، وحج نذر، وحج قضاء، فاستؤجر عنه ثلاثة كل لواحد في سنة واحدة جاز.

        القول الثاني: لا يجزئ، بل يصوم واحد، قياسا على الحجة المنذورة، تصح النيابة فيه من واحد لا من جماعة.

        وهو رواية عند الحنابلة.

        والأقرب -والله أعلم- إجزاء صوم جماعة في وقت واحد عن شخص واحد; لقوة دليله.

        الفرع الرابع: صوم الجماعة عن صوم شرط فيه التتابع.

        إذا صام جماعة عن صوم شرط فيه التتابع كصوم الكفارة، فهل يجزئ؟ اختلف الفقهاء فيه على قولين:

        القول الأول: يجزئ.

        [ ص: 155 ] وقال به الشافعية، وهو رواية عند الحنابلة.

        واستدلوا بما يلي:

        1- في مطالب أولي النهى: «لحصول المقصود به، مع إنجاز إبراء ذمته، وظاهره ولو كان متتابعا; لأن الذي يضر في التتابع التفرق، والمعية لا تفريق فيها، بل هي أقوى اتصالا من التتابع».

        2- إن التتابع إنما وجب في حق الميت لمعنى لا يوجد في حق القريب، وهو التغليظ عليه، ولأن التتابع التزام صفة زائدة على أصل الصوم، فسقطت بموته.

        3- إن المفرد الذي يقضي عن الميت لا يلزمه التتابع في الصوم الذي وجب متتابعا على الميت كالكفارة ونحوها; لانقطاع التتابع بالموت، فكذا صوم الجماعة.

        4- إن التتابع قد ينقطع حتى في صوم الواحد، فلو شرط في حق النائب التتابع، كما في حق الميت لوقع في حرج وضيق، ولما قبل أحد النيابة في الصوم عن الميت.

        القول الثاني: لا يجزئ.

        [ ص: 156 ] وقال به: الحنابلة في رواية، وهو اختيار ابن حجر من الشافعية.

        وحجته: فقد شرط التتابع، وبالتالي يلزم في هذه الحالة أن يصوم واحد حتى يتحقق التتابع.

        والأقرب -والله أعلم- إجزاء صوم الجماعة عن صوم شرط فيه التتابع; لقوة دليله.

        ووجه ذلك: أن المقصود يحصل بهذا الفعل مع إنجاز إبراء ذمة الميت، وهو من مقاصد الشرع المطهر.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية