الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        أدلة القول الثاني: (جواز التفضيل، أو التخصيص) :

        1 - قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ووقفه لبعض ولده من إيتاء ذي القربى.

        ونوقش: بأنا لا نمنع من إيتاء ذي القربى، وإنما نمنع من إيتائهم على غير الوجه المشروع، وما يؤدي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين ذوي القربى.

        2 - قوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا .

        وجه الدلالة: دلت الآية على أن الزوجة إذا طابت نفسا بشيء من مهرها للزوج جاز له، وكذا الأب مع أولاده.

        ونوقش: بما نوقش به الدليل الأول. [ ص: 233 ] 3 - قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وجه الدلالة: أن الله عز وجل أثنى على إعطاء المال للأجنبيين وذوي القربى، ولا أقرب من الولد.

        (219) 4 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلبن أحد شاة إلا بإذنه» .

        والأب قد أذن في هبة بعض أولاده دون بعض.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أن إذن المكلف مقيد بإذن الشارع.

        الوجه الثاني: بأن هذا صحيح، ولكن الذي قال هذا هو الذي حكم بإيجاب الزكاة، وفسخ أجر البغي، وحلوان الكاهن، وبيع الخمر، وبيع الربا، وهو الذي فسخ الصدقة، والعطية المفضل فيها بعض الولد على بعض.

        5 - حديث النعمان رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «فأشهد على هذا غيري» فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها، ولو لم يكن جائزا لكانت الشهادة عليها [ ص: 234 ] باطلة من الناس كلهم.

        ونوقش: بأن هذا ليس بأمر; لأن أدنى أحوال الأمر الاستحباب والندب ولا خلاف في كراهة هذا، وكيف يجوز أن يأمره بتأكيده مع أمره برده، وتسميته إياه جورا، وحمل الحديث على هذا حمل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم على التناقض والتضاد، ولو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإشهاد غيره لامتثل بشير أمره ولم يرد، وإنما هذا تهديد له على هذا، فيفيد ما أفاده النهي عن إتمامه.

        6 - ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان: «فأرجعه» ، فلولا نفوذ الهبة لما أمره بالاسترجاع.

        ونوقش: بأن معنى «أرجعه» أي: لا تمض الهبة المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة يدل عليه الرواية الصحيحة أيضا «فاردده» والرد ظاهر في الفسخ; لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فهو رد» أي: مردود مفسوخ.

        7 - ما رواه مسلم من طريق الشعبي، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، وفيه [ ص: 235 ] قوله: «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟» ، فدل أن ذلك من قبيل البر والعطف، لا من قبيل اللزوم والوجوب.

        ويمكن أن يناقش: بأن هذا يستقيم لو خلت روايات الحديث عن غير هذه اللفظة، والأمر بخلاف ذلك فمنها: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» ، «اردده» ، «أرجعه» ، «هذا جور» .

        ثم قد يقال: إن في هذا اللفظ ما يشير إلى وجوب العدل، ذلك أنه جعل ترك العدل سببا لاختلاف درجات البر.

        8 - ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أبا بكر رضي الله عنه كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة، قال: «والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله» قالوا : وهذا دليل على جواز التفضيل.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية