الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 294 ] القول في المد والإشباع والاختلاس

                                                                                                                                                                                                                                      أما المد; فجميع أصول القراء المختلف فيها منه والمتفق عليها سبعة أصول في مشهور الروايات وشاذها.

                                                                                                                                                                                                                                      فأول المتفق عليه منها: مد ما جاء على ثلاثة أحرف من حروف التهجي التي في أوائل السور، إذا كان أوسطه حرف مد ولين; نحو: الكاف، والسين، والميم، ونظائرها.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: المد للساكن المدغم; نحو: الحاقة [الحاقة: 1]، و الطامة [النازعات: 34].

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: المد إذا جاء بعد حرف المد واللين همزة، وهما في كلمة واحدة; نحو: شاء [البقرة: 20]، و جاء [النساء: 43]، وشبههما.

                                                                                                                                                                                                                                      فالقراء مجمعون على المد في هذه الأقسام الثلاثة.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الأربعة المختلف فيها; فأولها: ما كان حرف المد واللين فيه آخر كلمة، والهمزة في أول كلمة أخرى; نحو: ما أنزل [البقرة: 170]، و قالوا آمنا [البقرة: 14]، و في أنفسكم [البقرة: 235]; ترك المد في هذا القسم ابن كثير، وأبو عمرو باختلاف عنه، والحلواني عن قالون عن نافع، ومد الباقون.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 295 ] والثاني: أن تكون الهمزة قبل حرف المد واللين، وهما في كلمة واحدة; نحو: مآرب [طه: 18]، و ليواطئوا [التوبة: 37]، و متكئين [الكهف: 31]; فورش عن نافع يمد هذا الأصل باختلاف عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن سكن ما قبل الهمزة في هذا الأصل، والساكن غير حرف مد ولين; لم يمد; نحو: القرآن [البقرة: 185]، و الظمآن [النور: 39]، وإن كان حرف مد ولين; مد; نحو: إسرائيل [البقرة: 40]، وذكر بعض رواة المد في هذا الأصل: أنه خالف أصله في سوآتهما [الأعراف: 20]، و سوآتكم [الأعراف: 26]; فلم يمد الألف التي بعد الهمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا سهل الهمزة، أو ألقى الحركة; أبقى المد; نحو: من السماء آية [الشعراء: 4]، و فقل آذنتكم [الأنبياء: 109]، وذكر بعض الرواة أنه خالف أصله في يؤاخذكم [البقرة: 225]، و عادا الأولى [النجم: 50]، و آلآن [يونس: 51]، فلم يمد.

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن ينفتح ما قبل الواو والياء، وتأتي بعدهما الهمزة; نحو: سوءة [المائدة: 31]، و شيء [البقرة: 20]; فروي عن ورش أيضا في هذا الأصل: المد، وتركه، وذكر بعض رواة المد: أنه خالف أصله في الواو من سوآتهما [ ص: 296 ] [الأعراف: 20]، و سوآتكم [الأعراف: 26]، و موئلا [الكهف: 58]، و الموءودة [التكوير: 8]، فلم يمد.

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: ما جاء على حرفين من حروف التهجي في أوائل السور; فرويت عن ورش فيه رواية شاذة: أنه يمده كما يمد ما جاء على ثلاثة أحرف، ويترك المد، قرأت ذلك له.

                                                                                                                                                                                                                                      هذه أصول القراء في المد.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الإشباع; فهو أن تشبع الفتحة حتى تصير ألفا، والضمة حتى تصير واوا، والكسرة حتى تصير ياء، وقد جاء عن القراء من ذلك حروف; نحو: (سأوريكم) [الأعراف: 145]، و أفئدة [الأنعام: 113]، ونظائرهما مما ذكرته في مواضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء عن ورش -فيما رويناه من طريق أحمد بن صالح عنه- أصل مطرد; وهو إشباع الضمة إذا لقيتها واو مفتوحة، أو مضمومة، والكسرة إذا لقيتها ياء مفتوحة; نحو: مالك يوم الدين [الفاتحة: 4]، و إياك نعبد وإياك [الفاتحة: 5]، ونظائر ذلك، وذلك إذا كانا من كلمتين، ولم تكن الواو والياء مبدلتين من همزة، ولا كانت الكسرة في كلمة قد أسقط لامها الجزم; نحو: لئن لم تنته يا نوح [الشعراء: 116]، ولا في نون قد سقطت بعدها ياء الإضافة; نحو: واتقون يا أولي الألباب [البقرة: 197]. [ ص: 297 ] وقد روي عنه الإشباع في فادع واستقم [الشورى: 15]، وشبهه في لام (كي) التي قبلها الواو، وبعدها الياء; نحو: وليرضوه وليقترفوا [الأنعام: 113]، ولم يشبع إذا كانت الحركة مع الحرف الذي يشبع عنده في كلمة في غير لام (كي).

                                                                                                                                                                                                                                      هذه رواية أحمد بن صالح عن ورش في هذا الأصل، وروي عنه: إشباع ضمة الهاء من وهو [البقرة: 29]، وروي أيضا: تشديد الواو، ولم يشبع كسرة هي [البقرة: 68].

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الاختلاس; فقد جاءت منه أيضا حروف ذكرتها في مواضعها; نحو: يهدي [يونس: 35]، و يخصمون [يس: 49]، ونظائرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد جاء عن أبي عمرو في ذلك اختلاس الضمة والكسرة فيما تتوالى فيه الحركات; نحو: ينصركم [آل عمران: 160]، و يأمركم [البقرة: 67]، و يجمعكم [الجاثية: 26]، و يحزنهم [الأنبياء: 103]، و أحدهما [المائدة: 27]، و بأرجلهن [النور: 31]، في كل ما كان فيه ضمير جماعة مذكرين، أو مؤنثين، أو تثنية، ما لم يسكن ما قبل الحركتين، أو يكون الحرف المتحرك بإحدى الحركتين أول كلمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى بعض الرواة عنه الإسكان فيما فيه الراء; نحو: يأمركم [البقرة: 67]، وروي عنه نحو ذلك في: بارئكم [البقرة: 54]، روي فيه: الاختلاس، والإسكان، [ ص: 298 ] وكذلك روي عنه أيضا في أرني [البقرة: 260]، و أرنا [النساء: 153]، وقد ذكرته في موضعه، واستقصيت الروايات في هذا الأصل في “الكبير”، والله المستعان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية