الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      والقول في اجتماع الساكنين والثاني غير مدغم حسب ما تقدم، وكذلك القول في مد ما جاء على ثلاثة أحرف من حروف التهجي، وأوسطه حرف مد ولين.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما ما جاء على حرفين; فلا وجه لمده أكثر من مجاورته ما جاء على ثلاثة أحرف، فمد; لتجري حروف التهجي على سنن واحد، وقال بعض القراء: مد; لأن الهمزة تلحقه في قولك: (ياء)، و(راء)، وليس المد فيه بمستعمل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 300 ] فأما المد للهمزة; فقال قوم: إنه لخفاء الحرف، وبعد مخرج الهمزة، وقال قوم: هو لخفائهما جميعا، وذلك لما بينهما من المشابهة في الخفاء، والاشتراك في الجهر، وكونهن من حروف الزيادة، وإبدال بعضهن من بعض، وهذا إذا كان حرف المد واللين مع الهمزة في كلمة واحدة، وحرف المد واللين قبل الهمزة، ويجب أن يحتج بهذه الحجة -أعني: كون المد لخفائهما جميعا، أو خفاء أحدهما- لمن مد إذا كان حرف المد واللين بعد الهمزة; لأن الخفاء موجود; كوجوده إذا سبق حرف المد واللين الهمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما إذا كان حرف المد واللين في آخر الكلمة، والهمزة في أول كلمة أخرى; فمن مد; راعى الأصل، ولم يفرق بين الاتصال والانفصال، ومن لم يمد; فعلته: أن الهمزة قد تنفصل من حرف المد واللين بالوقف على الكلمة الأولى، فلما لم تلزم; لم يلزم المد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 301 ] وأما ترك المد في نحو: القرآن [البقرة: 185]; فوجهه: أن الهمزة معرضة للحذف بإلقاء حركتها على الساكن الذي قبلها، فلم يعتد بها، فإذا كان الساكن حرف مد ولين; نحو: إسرائيل [البقرة: 40]; فليست بمعرضة للحذف; إذ ليس من مذهبه إلقاء الحركة على حروف المد واللين.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما المد في ألف سوآتهما [الأعراف: 20]، و سوآتكم [الأعراف: 26]; فيجوز أن يكون حملا على الأصل; لأن الأصل في (فعلة) -إذا كانت اسما وجمعت- تحريك العين، وإنما أسكنت إذا كانت واوا أو ياء; كراهة أن تحرك، فيلزمها القلب، وقد حركها بنو هذيل.

                                                                                                                                                                                                                                      [وإبقاء المد في نحو: فقل آذنتكم [الأنبياء: 109] مع التسهيل; لأنه عارض، والهمزة توجد في الابتداء].

                                                                                                                                                                                                                                      وأما ترك المد في يؤاخذكم [البقرة: 225]; فللزوم البدل، وذهاب الهمزة في كل حال، وتركه في آلآن [يونس: 51]; تخفيفا; من أجل اجتماع مدتين في كلمة، وتركه في عادا الأولى [النجم: 50]; لأن الحركة قد اعتد بها، حتى صارت كاللازمة; ليصح الإدغام، حسب ما قدمناه، فصار ذهاب الهمزة كاللازم، فلم يعتد بها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما المد في نحو: شيء [البقرة: 20]، و سوءة [المائدة: 31]; فعلى التشبيه [ ص: 302 ] بالواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها; لأن فيهما بقية من المد واللين وإن لم تبلغ إلى ما في اللتين حركة ما قبلهما من جنسهما، وقد جمعت العرب بينهن في حكم جواز وقوع الساكن بعد الواو والياء المفتوح ما قبلهما في نحو: (ثوب بكر)، و(أصيم); كما يجوز وقوعه بعد حرف المد واللين، وفي وقوعهما في الشعر مع الواو والياء; نحو: وقوع (جرينا) مع (جونا) و (لاعبينا).

                                                                                                                                                                                                                                      فأما رواية من روى ترك مد سوآتهما [الأعراف: 20]، و سوآتكم [الأعراف: 26]; أعني: الواو; فلما قدمناه من تقدير الحركة فيها، وترك مد موئلا [الكهف: 58]; ليستوي مع ما قبلها وما بعدها في اللفظ; إذ ليس قبلها ولا بعدها ما يمد، وترك مد الموءودة [التكوير: 8]; مراعاة لسقوط الواو منها في بعض تصريف الكلمة; نحو: (يئد)، وأيضا فإن الهمزة تسقط من الموءودة في التخفيف في [ ص: 303 ] لغة من ألقى الحركة، أو حذف، فقال: (المودة)، فلم يقو المد; لدخول الحذف عليها في بعض الأحوال، وهذا من اعتلال القراء، وفيه ما ليس بقوي، لكن فيه اعتذار وتأنيس.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما من روى ترك المد في الواو والياء المفتوح ما قبلهما; فهو الأشبه; لشبههما بحروف السلامة في مخالفة الحركة التي قبلهما لهما.

                                                                                                                                                                                                                                      فهذه نكت من الاحتجاج لأصول القراء في المد، وهو باب مبسوط مستقصى في “الكبير”، وبالله التوفيق.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الإشباع، وتوليد الحروف من الحركات; فهو مذهب مشهور في لغة العرب، وقد جاء في الكلام; نحو: ما حكاه سيبويه من قول العرب عند التذكر في (قال): (قالا)، وفي (يقول): (يقولو)، ونحو قولهم: (منكر ومناكير)، و (معذرة ومعاذير)، وجاء في الشعر; نحو قوله: [من الرجز]


                                                                                                                                                                                                                                      أقول إذ خرت على الكلكال

                                                                                                                                                                                                                                      ونحو قول الآخر: [من الرجز]


                                                                                                                                                                                                                                      كأن في أنيابها القرنفول

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 304 ] وقول الآخر: [من البسيط]


                                                                                                                                                                                                                                      .....................     نفي الدراهيم تنقاد الصياريف

                                                                                                                                                                                                                                      وعليه حمل أكثر النحويين قوله عز وجل: فما استكانوا لربهم [المؤمنون: 76] على أنه من (سكن)، وقد أوضحت هذا كله في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      واختصاص ورش إشباع الضمة عند الواو، والكسرة عند الياء; وجهه: أن الشيء يخفى عند ما هو من جنسه أكثر من خفائه عند غير المجانس له، واشتراط الراوي الواو المفتوحة والمضمومة; لأنه ليس في القرآن واو مكسورة بعد ضمة، وكذلك ليست فيه ياء مكسورة بعد كسرة، ولم يشبع عند الياء المضمومة; لظهور الكسرة قبلها حين قويت بالضمة، فظهرتا جميعا، وأشبع عند الياء المفتوحة; لأن الفتحة خفيفة قريبة من الكسرة.

                                                                                                                                                                                                                                      واختصاصه بالإشباع ما هو من كلمتين; لأن خفاء الحركة إذا وقعت آخرا أكثر منه إذا كانت وسطا; لكونها معرضة للحذف، ولأن الإشباع في كلمة يوقع الالتباس في الأبنية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 305 ] ولم يشبع عند ما هو بدل من الهمزة; لأنه عارض لا يعتد به.

                                                                                                                                                                                                                                      وأشبع في نحو: وليرضوه [الأنعام: 113]; لكون لام (كي) في تقدير الانفصال; لتقدير (أن) معها.

                                                                                                                                                                                                                                      وترك الإشباع في المجزوم; كراهة التباسه بالمعرب، وإشباعه في نحو: فادع واستقم [الشورى: 15]; لأنه بناء لا يلتبس بالمعرب.

                                                                                                                                                                                                                                      وإشباعه ضمة الهاء من وهو [البقرة: 29]; لئلا يلتبس بلغة من يسكنها، مع أن الهاء قد اكتنفها واوان، فاشتد خفاؤها، ومن روى تشديد الواو; فعلى أنه لما أشبع الضمة; تولدت منها واو، فأدغمها في الواو التي بعدها; على إقامتها مقام واو لازمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وتركه الإشباع في هي ; لأن الياء تبدل من واو، وهو إنما يشبع في الأصلي، لا في المبدل.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الاختلاس; فهو مذهب معروف أيضا في لسان العرب، مشهور، قد جاء منه كثير، وجاء أيضا حذف الحركة والإسكان في نحو قوله: [من السريع]

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 306 ]

                                                                                                                                                                                                                                      فاليوم أشرب غير مستحقب     إثما من الله ولا واغل

                                                                                                                                                                                                                                      [وقوله: من السريع]


                                                                                                                                                                                                                                      .....................     وقد بدا هنك من المئزر

                                                                                                                                                                                                                                      ونظائر ذلك مما ذكرته في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      وربما حذفوا الحرف; نحو قوله: [من الكامل]


                                                                                                                                                                                                                                      كنواح ريش حمامة نجدية      .....................

                                                                                                                                                                                                                                      وشبهه، وإنما أذكر من كل شيء نكتة; ليستدل بها على غيرها، والله المستعان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية