الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      (ذلك أدنى ألا تعولوا) أي: ذلك أقرب إلى ألا تميلوا عن الحق وتجوروا، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل (العول) : الخروج عن الحد، و (العول) في الفرائض: الخروج عن حد السهام المسماة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 186 ] وذهب الشافعي إلى أن المعنى: ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم، واعترض قوله بأن الله تعالى قد أحل بملك اليمين ما شاء الإنسان من العدد.

                                                                                                                                                                                                                                      (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) : (النحلة) : العطية على غير وجه المثامنة.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة ، وغيره: معنى (نحلة) : فريضة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: دينا; أي: تعبدا، من قولهم: (فلان ينتحل كذا) ; أي:

                                                                                                                                                                                                                                      يدين به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سميت (نحلة) ; لأنه قد كان يجوز ألا يعطين شيئا، فنحلهن الله ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لا تكون نحلة إلا فيما طابت به النفس، لا فيما أكره عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثر العلماء: على أن الخطاب ههنا للأزواج، قاله قتادة ، وابن زيد، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو صالح: هو للأولياء; لأن الولي كان يأخذ الصداق لنفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن سبب نزول الآية: أن الرجل كان يزوج الرجل أخته على أن يزوجه الآخر أخته، ولا صداق لواحدة منهما، وهذا هو الشغار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 187 ] (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) : الاختلاف فيه: هل الخطاب للأزواج أو للأولياء؟ على ما تقدم، و (الهاء) في (منه) للصداق، أو للمال الذي دل عليه الكلام، أو للإيتاء.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) : قال ابن عباس ، وابن زيد: يعني: السفيه من ولدك.

                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن جبير، وغيره: (السفهاء) : ههنا: النساء والصبيان، والمعنى: لا تطلقوهم على أموالكم; فيفسدوها، فأما إعطاؤهم إياها مع صيانتهم لها; فغير مختلف فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : (السفهاء) ههنا: النساء، وكان يجب على هذا أن يقول: السفائه، أو السفيهات; لأنه الأكثر في جمع (فعيلة) .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو موسى الأشعري، وغيره: (السفهاء) ههنا: كل من يستحق الحجر.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه إضافة الأموال إلى المخاطبين على هذا وهي للسفهاء: أنها بأيديهم، وهم الناظرون فيها، فنسبت إليهم اتساعا، وقد قال الله تعالى: (فسلموا على أنفسكم) [النور: 61]، وقال: فاقتلوا أنفسكم [البقرة: 54].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 188 ] (وقولوا لهم قولا معروفا) : قال ابن جبير : أي: قولوا لهم: إن رشدتم; دفعنا إليكم أموالكم، وقيل: المعنى: ادعوا لهم بالصلاح.

                                                                                                                                                                                                                                      (وابتلوا اليتامى) الآية قال الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما: أي: اختبروهم في عقولهم، وأديانهم، وتثمير أموالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (حتى إذا بلغوا النكاح) : الحلم، في قول ابن عباس وغيره، والتقدير: حال النكاح.

                                                                                                                                                                                                                                      (فإن آنستم منهم رشدا) أي: عرفتم، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الرشد) في قول الحسن ، وقتادة : الصلاح في العقل والدين.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس ، والسدي ، والثوري : الصلاح في العقل، وحفظ المال.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : العقل خاصة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثر العلماء على أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم وإن شاخ; لا يزول الحجر عنه، وهو مذهب مالك ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو حنيفة: لا يحجر على البالغ الحر إذا بلغ مبالغ الرجال.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) : (الإسراف) : تجاوز الحد في الإفراط) ، [ ص: 189 ] وقوله: (وبدارا) أي: ومبادرة أن يكبروا، فيأخذوها منكم، عن ابن عباس ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) : قال ابن عباس ، والنخعي : فليستعفف بغناه، ولا يأكل من مال اليتيم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : نسخ الله منها الظلم والاعتداء بقوله: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية [النساء: 10].

                                                                                                                                                                                                                                      أبو يوسف صاحب أبي حنيفة : لا أدري لعل هذه الآية منسوخة بقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة:188) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال زيد بن أسلم : هي منسوخة.

                                                                                                                                                                                                                                      يحيى بن سعيد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن : هي في اليتيم، إن كان فقيرا; أنفق عليه بقدر فقره، وإن كان غنيا، أنفق عليه بقدر غناه.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: المعنى: فليأكل ولي اليتيم بالمعروف من مال نفسه، حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 190 ] وعنه أيضا: أنه قال لرجل سأله عن إبل ليتيم في حجره: إن كنت تلتمس ضالتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسقي عليها; فاشرب من لبنها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فليأكل من مال اليتيم قرضا، ويرده إذا وجد، روي معناه عن عمر رضي الله عنه، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن ، والنخعي ، وغيرهما: له أن يأكل من مال يتيمه إذا كان يقوم فيه; ما سد الجوعة، ووارى العورة، ولا قضاء عليه إن وجد، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إذا كان الولي فقيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض أهل العراق: لا يأكل من مال يتيمه شيئا إلا أن يسافر من أجله; فيتقوت بشيء من ماله في سفره.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : ليس لأحد أن يأكل من مال اليتيم قرضا ولا غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) : هذا ندب عند أكثر العلماء، وعن عمر رضي الله عنه، وغيره: أن المعنى: فأشهدوا عليهم، فيما استقرضتم منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 191 ] قال ابن جريج ، وقتادة : سبب نزولها: أنهم كانوا في الجاهلية يورثون الذكور دون الإناث، فالآية ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية