الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول : قال أبو عبيدة: معنى {استجيبوا}: أجيبوا.

                                                                                                                                                                                                                                      إذا دعاكم لما يحييكم أي: إلى الإيمان الذي تحيون به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لما تصيرون به إلى الحياة الدائمة في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم.

                                                                                                                                                                                                                                      واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه : قال مجاهد : المعنى: يحول بين المرء وعقله؛ حتى لا يدري ما يصنع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 181 ] وقيل: يحول بين المرء وقلبه بالموت وغيره من الآفات؛ فلا يمكنه استدراك ما فات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: يقلب الأمور من حال إلى حال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو تمثيل يراد به القرب؛ كما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: خافوا من عدوهم، فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه؛ بأن يبدلهم بعد الخوف أمنا، ويبدل عدوهم من الأمن خوفا.

                                                                                                                                                                                                                                      واختار الطبري : أن يكون ذلك إخبارا من الله عز وجل بأنه أملك لقلوب العباد منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء؛ حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئة الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة : قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم؛ فيعمهم العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود : هو من قوله: أنما أموالكم وأولادكم فتنة [الأنفال: 28].

                                                                                                                                                                                                                                      [ الحسن : الفتنة: البلية].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو نهي بعد أمر، والمعنى: واتقوا فتنة ، ثم قال: [ ص: 182 ] لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ؛ أي: لا يتعرض الذين آمنوا لما ينزل بهم معه من العذاب، فهو كقولك: (لا أرينك ههنا).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في أصحاب الجمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ليس هو بنهي، وإنما دخلته النون؛ لما فيه من معنى الجزاء، وقيل: لأنه خرج مخرج جواب القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      علي بن سليمان : هو دعاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تخافون أن يتخطفكم الناس يعني بـ {الناس}: مشركي قريش، عن قتادة ، وعكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهب بن منبه: فارس، والروم.

                                                                                                                                                                                                                                      الكلبي: نزل ذلك في يوم بدر؛ لأنهم كانوا قلة؛ فقواهم بنصره.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : {فآواكم} إلى المدينة، وأيدكم بنصره ؛ يعني: بالأنصار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 183 ] وقوله: لا تخونوا الله والرسول : السدي : أي: كما خانه المنافقون.

                                                                                                                                                                                                                                      روي: أنها نزلت بسبب منافق كتب إلى أبي سفيان يخبره بخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا تخونوا مال الله؛ يعني: الغنائم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في أبي لبابة، حين أشار إلى بني قريظة أنه الذبح.

                                                                                                                                                                                                                                      وتخونوا أماناتكم : سميت الأمانة؛ لأنها يؤمن معها من منع الحق، مأخوذة من (الأمن).

                                                                                                                                                                                                                                      وأنتم تعلمون أي: تعلمون ما في الخيانة، وقيل: تعلمون أنها أمانة.

                                                                                                                                                                                                                                      يجعل لكم فرقانا : قال السدي : أي: نجاة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : يفرق في قلوبكم بين الحق والباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد ، وغيره: يجعل لكم مخرجا.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : يجعل لكم فتحا ونصرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يجعل لكم فرقانا في الآخرة؛ فيدخلكم الجنة، ويدخل الكفار النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا ... الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      هذا إخبار بما اجتمع المشركون عليه من المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة في دار الندوة، وقد ذكرت خبره في "الكبير"، ومعنى {ليثبتوك}: ليحبسوك، وقد تقدم القول [ ص: 184 ] في معنى إضافة (المكر) إلى الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله إخبارا عنهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا : قالوا ذلك؛ لأنهم توهموا أنهم يأتون بمثله؛ كما توهمت السحرة مع موسى، ثم راموا ذلك، فعجزوا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ... الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد ، وابن جبير : قائل هذا النضر بن الحارث، وقالوا: من السماء تأكيدا؛ لأن المطر لا يكون من مكان دون السماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون : قيل: إن الضمير لـ المسجد الحرام ، عن الحسن ، وغيره، وقيل: لله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية : قال السدي : (المكاء): التصفير على لحن طير أبيض، يقال له: (المكاء)، بأرض الحجاز، و (التصدية): التصفيق بالأيدي، وروي نحوه عن مجاهد ، وعنه أيضا: أن (المكاء) إدخالهم أصابعهم في أفواههم، و (التصدية): التصفير؛ ليشغلوا [ ص: 185 ] به النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : (المكاء): ضرب بالأيدي، و (التصدية): صياح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن بعضهم كان يتصدى لبعض، ويصفر له؛ كي يراه، أو يعرف مكانه.

                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن جبير، وابن زيد: معنى (التصدية): صدهم عن البيت، فالأصل على هذا: (تصددة).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فذوقوا العذاب يعني: عذاب السيف، عن الحسن ، وغيره، وقيل: عذاب الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل يعني: إنفاق أبي سفيان وأصحابه يوم أحد، ويروى: أن قريشا جعلت العير التي خلصت مع أبي سفيان لحرب النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ليميز الله الخبيث من الطيب أي: المؤمن من الكافر.

                                                                                                                                                                                                                                      فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أي: يجعل الكفار بعضهم على بعض في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 186 ] وقيل: المعنى: يميز ما أنفقه الكافر، فيجعله في جهنم يعذبه به، ويميز ما أنفقه المؤمن، فيثيبه عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ... الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن ، ومجاهد : معنى وإن يعودوا : إلى قتال النبي عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      فقد مضت سنت الأولين : في القتل والأسر.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير أي: مجازيهم على أعمالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية