الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم :

                                                                                                                                                                                                                                      الاسم عند أهل السنة هو المسمى نفسه، وهو المعنى المفهوم من التسمية، والتسمية غير الاسم، قال الله عز وجل: ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان [يوسف: 40]، فأخبر أنهم عبدوا من دونه الأسماء، وإنما عبدوا الأشخاص، وقال تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق: 1].

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل اسم الله الذي هو (الله) عند سيبويه: (لاه) ، دخلت عليه الألف [ ص: 119 ] واللام; للتعظيم والتفخيم، لا للتعريف، ولسيبويه أيضا قول آخر: أن أصله: (إله) ، فحذفت الهمزة، وعوض منها الألف واللام.

                                                                                                                                                                                                                                      بعض أصحابه: دخلت الألف واللام على (إله) ، فخففت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام وحذفها.

                                                                                                                                                                                                                                      الرحمن الرحيم : صفتان مشتقتان من الرحمة.

                                                                                                                                                                                                                                      فـ {الرحمن} : صفة ممنوعة من المخلوقين; لما فيها من المبالغة، والدلالة على عموم الرحمة; ولذلك قال بعض المفسرين: معنى {الرحمن} : الذي وسعت رحمته كل شيء، وقال بعضهم: {الرحمن} لجميع خلقه في الدنيا، {الرحيم} بالمؤمنين خاصة في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وكرر فيها لفظ الرحمة; لمعنى التأكيد، وقيل: ليدل التكرير على أنه لم يتسم أحد بـ الرحمن الرحيم غير الله عز وجل; لأن مسيلمة الكذاب لعنه الله- [ ص: 120 ] تسمى بـ (الرحمن) .

                                                                                                                                                                                                                                      و {الرحيم} : صفة مطلقة للمخلوقين، ولما في {الرحمن} من العموم قدم في كلامنا على {الرحيم} مع موافقة التنزيل.

                                                                                                                                                                                                                                      {الحمد} : معناه: الثناء على المحمود بكل صفة محمودة، ويستعمل موضع الشكر; لأنه أعم منه، ولا يستعمل الشكر في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: الحمد لله رب العالمين تعليم من الله عز وجل لخلقه كيف يحمدونه، وقيل: هو حمد منه لنفسه، وإنما يستقبح ذلك من المخلوق الذي لم يعط الكمال، ويستجلب بحمده نفسه المنافع، ويدفع عنها المضار.

                                                                                                                                                                                                                                      والرب: المالك، والرب: السيد، والرب: المصلح.

                                                                                                                                                                                                                                      وواحد {العالمين} : عالم، قال الزجاج: لا واحد لـ (عالم) من لفظه; لأنه جمع لأشياء مختلفة، فإن جعلته لواحد منها; صار جمعا لأشياء متفقة، واشتقاقه من (العلم) و (العلامة) ، فهو دال على خالقه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : يعني بـ {العالمين} : الملائكة، والإنس، والجن.

                                                                                                                                                                                                                                      مالك يوم الدين : (الملك) ، و (المالك) : مشتقان من (ملكت) ، ومعناه:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 121 ] الشد والربط، وقيل: معنى {ملك} : قادر.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الدين} ههنا: الجزاء، وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم الدين: يوم الحساب» ، وقد يقع (الدين) للدأب والعادة، ويقع للانقياد والطاعة، ويقع للملة.

                                                                                                                                                                                                                                      إياك نعبد : خروج من لفظ الغيبة إلى الخطاب، والعرب تستعمل ذلك، وتقدمة {إياك} على ما يستعملونه من تقدمة الأهم، و (العبادة) : الطاعة مع تذلل وخضوع، (عبد يعبد) ؛ إذا أطاع وخضع، و (عبد من كذا يعبد) ؛ إذا أنف منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإياك نستعين : [أي: وإياك نستعين] على العبادة، وفي هذا دليل على أن العبد غير مستغن باستطاعته عن عون ربه.

                                                                                                                                                                                                                                      اهدنا الصراط المستقيم أي: أرشدنا ووفقنا، وأصل (الهداية) : الدلالة، [ ص: 122 ] ومنه: (هوادي الخيل) ، وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد يأتي (هديت) بمعنى (بينت) ، نحو: وأما ثمود فهديناهم [فصلت: 17]; [أي: فبينا لهم]، وبمعنى (ألهمت) ؛ نحو: إنا هديناه السبيل [الإنسان: 3]، وبمعنى دعوت; نحو: ولكل قوم هاد [الرعد: 7].

                                                                                                                                                                                                                                      و الصراط المستقيم : الطريق الواضح، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كتاب الله عز وجل» .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وأبو العالية : هو النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر، وكذلك قالا في: صراط الذين أنعمت عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن المنعم عليهم المؤمنون عامة، وقيل: الأنبياء، وقيل: هم جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى اهدنا الصراط المستقيم : قولوا: اهدنا [الصراط المستقيم]; أمر الله تعالى عباده بالدعاء إليه، ورغبهم فيه، وحضهم عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 123 ] والمغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو في كل من ضل عن طريق الحق فاستحق الغضب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية