الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1870 باب كفارة من وقع على امرأته في رمضان

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب تغليظ تحريم الجماع، في نهار رمضان على الصائم: ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها. وأنها تجب على الموسر والمعسر، وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 224 ج 7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله! قال: " وما أهلكك؟ " قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال هل تجد ما تعتق رقبة؟" قال: لا. قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا. قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟" قال: لا. قال: ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: "تصدق بهذا". قال أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، قال: "اذهب فأطعمه أهلك". ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ ص: 48 ] هلكت يا رسول الله ! قال: " وما أهلكك ؟" قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " ) منصوب بدل من "ما ".

                                                                                                                              ( قال: لا. قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال: لا ).

                                                                                                                              فيه: حجة لمذهب الجمهور، وأجمع عليه العلماء في الأعصار المتأخرة. وهو اشتراط التتابع في صيام هذين الشهرين.

                                                                                                                              وحكي عن ابن أبي ليلى: أنه لا يشترطه.

                                                                                                                              قال في ( السيل الجرار ): وأما اشتراط أن يكون صوم الشهرين متتابعا، فلذكر التتابع في الكتاب والسنة المطهرة.

                                                                                                                              وظاهر ذلك ؛ أن من لم يتابع لم يفعل ما أمره الله سبحانه وتعالى، ولا صام الصوم الذي شرعه الله تعالى. فيستأنف.

                                                                                                                              وأما إذا كان ترك التتابع لعذر فيسوغ،

                                                                                                                              وذلك لتقييد ما أوجبه الله سبحانه بالاستطاعة، وهذا لم يستطع فلا يجب عليه الاستئناف. انتهى.

                                                                                                                              ( قال: " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟"، قال: لا. قال: ثم جلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق ).

                                                                                                                              بفتح العين والراء، هذا هو الصواب المشهور في الرواية واللغة.

                                                                                                                              وكذا حكاه القاضي عن رواية الجمهور. ثم قال: ورواه كثير [ ص: 49 ] من شيوخنا وغيرهم: بإسكان الراء. قال: والصواب ( بالفتح ).

                                                                                                                              ويقال للعرق: ( الزبيل ) بفتح الزاي من غير نون، (والزنبيل ) بكسر الزاي وزيادة نون.

                                                                                                                              ويقال له: ( القفة )، و( المكتل ) بكسر الميم وفتح التاء، (والسفيفة ) بفتح السين وبالفاءين.

                                                                                                                              قال عياض : قال ابن دريد: سمي (زبيلا )، لأنه يحمل فيه ( الزبل ).

                                                                                                                              (والعرق ) عند الفقهاء: ما يسع خمسة عشر صاعا. وهي ستون مدا لستين مسكينا: لكل مسكين مد.

                                                                                                                              ( فيه تمر فقال: " تصدق بهذا ". قال: أفقر منا ؟ ) بالنصب.

                                                                                                                              وكذا نقل عياض أن الرواية فيه: ( أفقر ) بالنصب، على إضمار فعل تقديره: ( أتجد أفقر منا ) أو أتعطي.

                                                                                                                              قال: ويصح رفعه على تقدير: ( هل أحد أفقر منا ). كما قال في الحديث الآخر بعده: ( أغيرنا ). كذا ضبطناه بالرفع، ويصح النصب على ما سبق.

                                                                                                                              قال النووي : وقد ضبطنا الثاني بالنصب أيضا. فهما جائزان كما سبق توجيههما. انتهى.

                                                                                                                              ولم يذكر احتمال الخفض. وهو محتمل بتقدير: ( على أفقر منا )، وإن كان معنى لا لفظا.

                                                                                                                              [ ص: 50 ] ( فما بين لابتيها )، هما الحرتان.

                                                                                                                              ( والمدينة ) بين حرتين. ( والحرة ): الأرض الملبسة حجارة سودا.

                                                                                                                              ويقال: لابة، ولوبة، ونوبة بالنون. حكاهن أبو عبيد، والجوهري، ومن لا يحصى من أهل اللغة.

                                                                                                                              قالوا: ومنه قيل للأسود: ( لوبي ) ( ونوبي )، باللام والنون.

                                                                                                                              قالوا: وجمع ( اللابة ): لوب، ولاب، ولابات. وهي غير مهموزة.

                                                                                                                              ( أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: " اذهب فأطعمه أهلك " ).

                                                                                                                              مذهب العلماء كافة: وجوب الكفارة على من جامع امرأته، في نهار رمضان، عامدا.

                                                                                                                              ( والكفارة ): عتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب التي تضر بالعمل إضرارا بينا.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة: يجزي عتق كافر، عن كفارة الجماع والظهار.

                                                                                                                              وإنما يشترطون ( الرقبة المؤمنة )، في كفارة القتل. لأنها منصوص على وصفها بالإيمان في القرآن.

                                                                                                                              وقال الشافعي والجمهور: يشترط الإيمان في جميع الكفارات، تنزيلا للمطلق على المقيد، [ ص: 51 ] والمسألة مبنية على ذلك،

                                                                                                                              فالشافعي يحمل ( المطلق ) على ( المقيد ). وأبو حنيفة يخالفه.

                                                                                                                              والصحيح المختار: هو حمل المطلق على المقيد؛ كما صرح بذلك أهل الأصول.

                                                                                                                              فإن عجز عن العتق، فصوم شهرين متتابعين.

                                                                                                                              فإن عجز، فإطعام ستين مسكينا. كل مسكين (مد ) من طعام، عند الشافعية.

                                                                                                                              ونصف صاع، عند أبي حنيفة والثوري.

                                                                                                                              فإن عجز عن الخصال الثلاث، ففيه (قولان ) للشافعي:

                                                                                                                              أحدهما: لا شيء عليه، وإن استطاع بعد ذلك.

                                                                                                                              والثاني: وهو الصحيح المختار: أن الكفارة تستقر في ذمته حتى يمكن.

                                                                                                                              وإنما لم يبين له صلى الله عليه وسلم بقاءها في ذمته، لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز، عند جماهير الأصوليين.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا هو الصواب في معنى الحديث، وحكم المسألة.

                                                                                                                              وفيها أقوال وتأويلات أخر ضعيفة. انتهى.

                                                                                                                              قال في ( السيل الجرار ): ولا يعرف في مثل هذا " يعني: فساد الصوم بالوطء " خلاف.

                                                                                                                              [ ص: 52 ] وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما: حديث ( المجامع في رمضان )، وفيه ( أمره بالكفارة ).

                                                                                                                              وفي رواية لأبي داود، وابن ماجة: ( أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "وصم يوما مكانه ).

                                                                                                                              وهذه الزيادة مروية من أربع طرق، يقوي بعضها بعضا.

                                                                                                                              قال: ويدل على تحريم الوطء للصائم "صوما واجبا ": مفهوم قوله سبحانه: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم . انتهى.

                                                                                                                              قلت: وظاهر القرآن والسنة: أنه يطعم ستين مسكينا، مرة واحدة. إما بأن يهيئ لهم طعاما يأكلونه عنده. أو بأن يدفع إلى كل واحد ما يأكله.

                                                                                                                              ولا يجب الإطعام مرتين. ، ولا دليل على ذلك.

                                                                                                                              وقد ورد في الروايات: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " فليطعم ستين مسكينا، وسقا من تمر "، كما في حديث أوس بن الصامت.

                                                                                                                              [ ص: 53 ]



                                                                                                                              الخدمات العلمية