الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1976 باب صوم يوم عرفة

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والاثنين، والخميس ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 49 - 50 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [(عن أبي قتادة ) رضي الله عنه، (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ ص: 131 ] كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال رضينا بالله (ربا ). وبالإسلام (دينا ). وبمحمد (نبيا ). نعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام، حتى سكن غضبه. فقال عمر: يا رسول الله! كيف بمن يصوم الدهر كله ؟ قال: "لا صام ولا أفطر". (أو قال: "لم يصم ولم يفطر" ). قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال "ويطيق ذلك أحد؟". قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: "ذاك صوم (داود ) عليه السلام". قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: "وددت أني طوقت ذلك". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان. فهذا صيام الدهر كله. صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده. وصيام يوم (عاشوراء )، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". ) ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن أبي قتادة ) رضي الله عنه: ( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم ؟ ).

                                                                                                                              وفي معظم النسخ: (رجل أتى ) بالرفع، على أنه خبر مبتدأ محذوف. أي: الشأن والأمر: ( رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ).

                                                                                                                              قال النووي : وقد أصلح في بعض النسخ: ( أن رجلا أتى ). وكان [ ص: 132 ] موجب هذا الإصلاح: جهالة انتظام الأول، وهو منتظم. فلا يجوز تغييره ( فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ).

                                                                                                                              قال أهل العلم: سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته ؛ لأنه يحتاج إلى أن يجيبه، ويخشى من جوابه مفسدة. وهي أنه ربما اعتقد السائل (وجوبه ). أو استقله أو اقتصر عليه، وكان يقتضي حاله أكثر منه، وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم، وحقوق أزواجه، وأضيافه، والوافدين إليه. لئلا يقتدي به كل أحد، فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم.

                                                                                                                              وكان حق السائل أن يقول: كم أصوم ؟ أو كيف أصوم ؟ فيخص السؤال بنفسه، ليجيبه بما تقتضيه حاله. كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم. والله أعلم.

                                                                                                                              ( فلما رأى عمر (رضي الله عنه ) غضبه، قال: رضينا بالله ربا. وبالإسلام دينا. وبمحمد نبيا. نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر (رضي الله عنه ) يردد هذا الكلام، حتى سكن [ ص: 133 ] غضبه. فقال عمر: يا رسول الله ! كيف بمن يصوم الدهر كله ؟ قال: "لا صام ولا أفطر ". أو قال: "لم يصم ولم يفطر ". ) تقدم الكلام على حكم صيام الدهر فراجع.

                                                                                                                              ( قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما ؟ قال: " ويطيق ذلك أحد ؟" قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما ؟ قال: " ذاك صوم ( داود ) عليه السلام " ).

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: ( قال: " ذاك صوم أخي (داود ) عليه السلام " ). ( قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين ؟: قال " وددت أني طوقت ذلك" ).

                                                                                                                              قال عياض : معناه: وددت أن أمتي تطوقه.

                                                                                                                              لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيقه وأكثر منه، وكان يواصل ويقول: " إني لست كأحدكم. إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".

                                                                                                                              قلت: ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية: "ليت أن الله قوانا لذلك ".

                                                                                                                              أو يقال: إنما قاله لحقوق نسائه، وغيرهن من المسلمين المتعلقين به، والقاصدين إليه.

                                                                                                                              [ ص: 134 ] (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان. فهذا صيام الدهر كله. (صيام ) يوم (عرفة ): أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده". ) معناه: يكفر ذنوب صائمه في السنتين.

                                                                                                                              قالوا: والمراد بها: (الصغائر ). وإن لم تكن (صغائر )، يرجى التخفيف من الكبائر. فإن لم يكن، رفعت درجات.

                                                                                                                              وفي ( السيل الجرار ): وفي الباب أحاديث، منها حديث أبي أيوب في صحيح مسلم وغيره: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صيام يوم (عرفة )، كفارة سنتين ". ) ولم يصح في النهي عن صومه شيء،

                                                                                                                              وإنما ترك صومه بعرفة، للاشتغال بأعمال الحج.

                                                                                                                              على أن مجرد الترك، لا يرفع الاستحباب الثابت بالقول، المرتب عليه الأجر العظيم.

                                                                                                                              ولاسيما: وهو أحد أيام العشر، التي ورد أنه: [ ص: 135 ] "ما من أيام، العمل الصالح فيها أفضل منه، في عشر ذي الحجة" كما في الحديث الثابت، في الصحيحين وغيرهما.

                                                                                                                              ( " وصيام يوم (عاشوراء )، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " ).

                                                                                                                              وقال في رواية أخرى: " يكفر السنة الماضية".

                                                                                                                              وتقدم الكلام على هذا الصوم. وأنه ينبغي أن يضم إليه صوم ( التاسع من المحرم )، لحديث ورد في ذلك.




                                                                                                                              الخدمات العلمية