الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2390 باب سفر المرأة إلى الحج مع ذي المحرم

                                                                                                                              وعبارة النووي : ( باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره ).

                                                                                                                              وترجم في (المنتقى) لهذا الباب بقوله: ( باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره، إلا بمحرم).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 108 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [(عن أبي سعيد الخدري ) رضي الله عنه؛ (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا، إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها" ) ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              هذا الحديث، رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي .

                                                                                                                              وهو يدل على أنه، لا يجب الحج على المرأة، إلا إذا كان لها محرم.

                                                                                                                              [ ص: 212 ] قال الحافظ في (فتح الباري): وضابط المحرم عند العلماء : من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح، لحرمتها.

                                                                                                                              فخرج (بالتأبيد): زوج الأخت، والعمة، ونحوها.

                                                                                                                              (وبالمباح): أم الموطوءة بشبهة، وبنتها.

                                                                                                                              (وبحرمتها): الملاعنة.

                                                                                                                              واستثنى أحمد : الأب الكافر. فقال: لا يكون محرما لبنته المسلمة؛لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها. انتهى.

                                                                                                                              وقال النووي : مذهب الشافعي والجمهور: أن جميع المحارم سواء في ذلك.

                                                                                                                              فيجوز لها؛ المسافرة مع محرمها بالنسب: كابنها، وأخيها، وابن أخيها، وابن أختها، وخالها، وعمها.

                                                                                                                              ومع محرمها بالرضاع: كأخيها من الرضاع، وابن أخيها، وابن أختها منه، ونحوهم.

                                                                                                                              ومع محرمها من المصاهرة: كأبي زوجها، وابن زوجها. ولا كراهة في شيء من ذلك.

                                                                                                                              قال: وكذا يجوز لكل هؤلاء: الخلوة بها، والنظر إليها، من غير حاجة. ولكن لا يحل النظر بشهوة لأحد منهم.

                                                                                                                              [ ص: 213 ] ووافق مالك على ذلك كله، إلا ابن زوجها: فكره سفرها معه. لفساد الناس بعد العصر الأول.

                                                                                                                              ولأن كثيرا من الناس، لا ينفرون من زوجة الأب، نفرتهم من محارم النسب.

                                                                                                                              قال: والمرأة فتنة، إلا فيما جبل الله تعالى النفوس عليه، من النفرة عن محارم النسب.

                                                                                                                              وعموم هذا الحديث: يرد على مالك .

                                                                                                                              ثم قال النووي : أجمعت الأمة، على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام ، إذا استطاعت. لعموم قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت .

                                                                                                                              وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس".

                                                                                                                              واستطاعتها كاستطاعة الرجل. لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها ؛ فأبو حنيفة يشترطه: لوجوب الحج عليها. ووافقه جماعة من أهل الحديث، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                              وقال مالك والشافعي : لا يشترط المحرم. بل يشترط الأمن على نفسها.

                                                                                                                              قال الشافعية : يحصل الأمن بزوج، أو محرم، أو نسوة ثقات.

                                                                                                                              ولا يلزمها إلا بأحد هذه الأشياء. هذا هو الصحيح.

                                                                                                                              قال: واختلف في خروجها لحج التطوع، وسفر الزيارة، والتجارة، ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة.

                                                                                                                              [ ص: 214 ] فقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج، أو محرم. وهذا هو الصحيح. للأحاديث الصحيحة.

                                                                                                                              قال عياض : واتفقوا على أن عليها، أن تهاجر من دار الحرب إلى دار الإسلام. وإن لم يكن معها محرم.

                                                                                                                              والفرق بينهما: أن إقامتها في دار الكفر حرام، إذا لم تستطع إظهار الدين، وتخشى على دينها ونفسها.

                                                                                                                              وليس كذلك التأخر عن الحج. فإنهم اختلفوا في الحج؛ هل هو على الفور أم على التراخي؟

                                                                                                                              قال الشوكاني في (النيل): وقد قيل: إن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة، لا في حق العجوز. لأنها لا تشتهى.

                                                                                                                              وقيل: لا فرق. لأن لكل ساقط لاقط. وهو مراعاة الأمر النادر. انتهى.

                                                                                                                              قلت: الذي فرق بين الشابة والكبيرة، هو الباجي .

                                                                                                                              كما حكاه عنه القاضي .

                                                                                                                              قال النووي : وهذا الذي قاله الباجي ، لا يوافق عليه. لأن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة، ولو كانت كبيرة.

                                                                                                                              وقد قالوا: (لكل ساقطة لاقطة).

                                                                                                                              [ ص: 215 ] ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس، وسقطهم: من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها، لغلبة شهوته، وقلة دينه، وخيانته، ونحو ذلك. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية