الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2109 باب في إرداف الحج على العمرة

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران. وجواز إدخال الحج على العمرة. ومتى يحل القارن من نسكه).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 141 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عروة بن الزبير، ، عن عائشة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم)؛ أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام حجة الوداع. فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، حتى قدمنا مكة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحرم بعمرة ولم يهد، فليحلل. ومن أحرم بعمرة وأهدى، فلا يحل حتى ينحر هديه.

                                                                                                                              ومن أهل بحج، فليتم حجه". قالت عائشة: فحضت. فلم أزل [ ص: 315 ] حائضا حتى كان يوم عرفة. ولم أهلل إلا بعمرة. فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أنقض رأسي، وأمتشط، وأهل بحج، وأترك العمرة. قالت: ففعلت ذلك. حتى إذا قضيت حجتي، بعث معي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر وأمرني: أن أعتمر من التنعيم. مكان عمرتي، التي أدركني الحج ولم أحلل منها
                                                                                                                              ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم -، رضي الله عنها: أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، عام حجة الوداع) .

                                                                                                                              سميت بذلك، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها. ولم يحج بعد الهجرة غيرها .

                                                                                                                              وكانت سنة عشر من الهجرة.

                                                                                                                              (فمنا من أهل بعمرة. ومنا من أهل بحج.)

                                                                                                                              وفيه: دليل على جواز هذين النوعين.

                                                                                                                              وقد أجمع العلماء على ذلك، بل على الثلاثة الأنواع، وهي: الإفراد؛ والتمتع، والقران. وإنما اختلفوا في أفضلها. والمسألة قد سبقت.

                                                                                                                              [ ص: 316 ] قال في (النيل): وبالجملة، لم يوجد في شيء من الأحاديث، ما يدل على أن بعض الأنواع، أفضل من بعض: غير هذا الحديث. يعني: قوله في حديث آخر: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي. ولجعلتها عمرة". فالتمسك به متعين. ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من المرجحات. فإنها في مقابلته ضائعة.

                                                                                                                              (حتى قدمنا مكة ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من أحرم بعمرة ولم يهد، فليحلل. ومن أحرم بعمرة وأهدى، فلا يحل حتى ينحر هديه. ومن أهل بحج، فليتم حجه) .

                                                                                                                              قال النووي : هذا الحديث، ظاهر في الدلالة لمذهب أبي حنيفة ، وأحمد ، وموافقيهما، في: أن المعتمر المتمتع، إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته، حتى ينحر هديه يوم النحر .

                                                                                                                              ومذهب مالك ، والشافعي ، وموافقيهما: أنه إذا طاف وسعى وحلق، حل من عمرته، وحل له كل شيء في الحال. سواء كان ساق هديا أم لا. واحتجوا بالقياس على من لم يسق الهدي، وبأنه تحلل من نسكه، فوجب أن يحل له كل شيء. كما لو تحلل المحرم بالحج.

                                                                                                                              وأجابوا عن هذه الرواية بأنها: مختصرة من الروايات، التي ذكرها مسلم بعدها، والتي ذكرها قبلها، عن عائشة : (قالت: خرجنا مع [ ص: 317 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة. ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: من كان معه هدي، فليهلل بالحج مع العمرة. ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا" .) فهذه الرواية، مفسرة للمحذوف من الرواية، التي احتج بها أبو حنيفة (رحمه الله).

                                                                                                                              وتقديرها: ومن أحرم بعمرة وأهدى، فليهلل بالحج. ولا يحل حتى ينحر هديه.

                                                                                                                              قال: ولا بد من هذا التأويل. لأن القضية واحدة والراوي واحد.

                                                                                                                              فيتعين الجمع بين الروايتين، على ما ذكرناه. والله أعلم.

                                                                                                                              (قالت عائشة : فحضت. فلم أزل حائضة حتى كان يوم عرفة. ولم أهلل إلا بعمرة. فأمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: أن أنقض رأسي، وأمتشط؛ وأهل بحج، وأترك العمرة. قالت: ففعلت ذلك.) وفي رواية أخرى: ( وأمسكي عن العمرة ).

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: ( ارفضي عمرتك، ودعي عمرتك ).

                                                                                                                              قال النووي : المراد: رفض إتمام أعمالها، لا إبطال أصل العمرة.

                                                                                                                              [ ص: 318 ] (حتى إذا قضيت حجتي، بعث معي رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر ، وأمرني: أن أعتمر من التنعيم. مكان عمرتي، التي أدركني الحج ولم أحلل منها) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: ( أمر عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأردفني، فأعمرني من التنعيم . مكان عمرتي، التي أمسكت عنها ).

                                                                                                                              وفي أخرى: ( أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأردفني وخرج بي إلى التنعيم ، فأهللت بعمرة، فقضى الله حجنا وعمرتنا ).

                                                                                                                              وفي رواية: ( اخرج بأختك من الحرم ، فلتهل بعمرة ).

                                                                                                                              فيه: أن ميقات العمرة لمن كان بمكة : أدنى الحل. ولا يجوز له أن يحرم بها من الحرم .

                                                                                                                              والذي عليه الجماهير: أن جميع جهات الحل سواء. ولا تختص بالتنعيم. والمسألة تقدمت.

                                                                                                                              قال صاحب (الهدي): لم ينقل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم -، اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة، ولا اعتمر بعد الهجرة، إلا داخلا إلى مكة . ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل، ثم يدخل مكة بعمرة، كما يفعل الناس اليوم.

                                                                                                                              ولا يثبت عند أحد من الصحابة: فعل ذلك في حياته، إلا ( عائشة ) وحدها.

                                                                                                                              [ ص: 319 ] قال في (الفتح): وبعد أن فعلته ( عائشة ) بأمره، دل على مشروعيته. انتهى.

                                                                                                                              قال في (النيل): ولكنه إنما يدل على المشروعية، إذا لم يكن أمره بذلك، لأجل تطييب قلبها كما قيل. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: هذه العبارة، تدل بفحوى الخطاب، على ما ذهب إليه صاحب (الهدي).




                                                                                                                              الخدمات العلمية