الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2092 باب "في المحرم يموت" ما يفعل به

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب ما يفعل بالمحرم إذا مات).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 126 - 127 ج8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، عن النبي صلى الله عليه وسلم: خر رجل من بعيره، فوقص فمات. فقال: "اغسلوه بماء وسدر. وكفنوه في ثوبيه. ولا تخمروا رأسه. فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا " ].

                                                                                                                              [ ص: 365 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 365 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، (عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: خر رجل من بعيره،) أي: سقط.

                                                                                                                              (فوقص) أي: انكسر عنقه: (فمات) .

                                                                                                                              وفي رواية: (وقع من راحلته فأوقصت "أو قال: فأقعصته") . أي: قتلته في الحال.

                                                                                                                              وفي رواية: (فوقصته). وهو بمعنى: أوقصته.

                                                                                                                              (فقال: "اغسلوه بماء وسدر") .

                                                                                                                              فيه دليل، على استحباب (السدر) في غسل الميت ، وأن المحرم في ذلك كغيره. وهذا مذهب الشافعية . وبه قال طاوس ، وعطاء ، ومجاهد ، وابن المنذر ، وآخرون.

                                                                                                                              ومنعه مالك ، وأبو حنيفة ، وآخرون. والحديث يرد عليهما.

                                                                                                                              (وكفنوه في ثوبيه) .

                                                                                                                              وفي رواية: (في ثوبين).

                                                                                                                              قال عياض : أكثر الروايات: (ثوبيه).

                                                                                                                              [ ص: 366 ] وفيه: فوائد، منها: الدلالة على أن حكم الإحرام، باق فيه. وهو مذهب الشافعي وموافقيه.

                                                                                                                              ومنها: أن التكفين في الثياب الملبوسة ، جائز، وهو مجمع عليه.

                                                                                                                              ومنها: جواز التكفين في ثوبين . والأفضل ثلاثة.

                                                                                                                              ومنها: أن الكفن، مقدم على الدين وغيره. لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يسأل: هل عليه دين مستغرق أم لا؟

                                                                                                                              ومنها: أن التكفين واجب. وهو إجماع في حق المسلم. وكذلك غسله، والصلاة عليه. ودفنه.

                                                                                                                              وزاد في رواية أخرى: (ولا تحنطوه). أي: لا تمسوه حنوطا.

                                                                                                                              (والحنوط) بفتح الحاء. ويقال له: (الحناط) بكسر الحاء. وهو: أخلاط من طيب، تجمع للميت خاصة، لا تستعمل في غيره.

                                                                                                                              (ولا تخمروا رأسه) . وفي رواية: (ولا تخمروا وجهه، ورأسه) .

                                                                                                                              قال النووي رحمه الله: أما تخمير الرأس (في حق المحرم الحي) : فمجمع على تحريمه.

                                                                                                                              وأما وجهه، فقال مالك وأبو حنيفة : هو كرأسه.

                                                                                                                              وقال الشافعي والجمهور: لا إحرام في وجهه. بل له تغطيته. وإنما [ ص: 367 ] يجب (كشف الوجه) في حق المرأة. والحديث حجة عليهم.

                                                                                                                              هذا حكم المحرم الحي.

                                                                                                                              وأما الميت، فمذهب الشافعي وموافقيه: أنه يحرم تغطية رأسه كما سبق. ولا يحرم تغطية وجهه، بل يبقى كما كان في الحياة.

                                                                                                                              ويتأول هذا الحديث، على أن النهي عن تغطية وجهه، ليس لكونه وجها. إنما هو صيانة للرأس. فإنهم لو غطوا وجهه، لم يؤمن أن يغطوا رأسه.

                                                                                                                              قال: ولا بد من تأويله. لأن مالكا ، وأبا حنيفة ، وموافقيهما، يقولون: لا يمنع من ستر رأس الميت ووجهه . والشافعي (رحمه الله)، وموافقوه، يقولون: يباح ستر الوجه. فتعين تأويل الحديث. انتهى.

                                                                                                                              قال في (شرح المنتقى): وهذا تأويل، لا يلجئ إليه ملجئ. انتهى.

                                                                                                                              (فإن الله، يبعثه يوم القيامة ملبيا) . وفي رواية: (ملبدا).

                                                                                                                              ويلبي: أي على هيئته التي مات عليها، ومعه علامة لحجه، وهي دلالة الفضيلة. كما يجيء الشهيد يوم القيامة، وأوداجه تشخب دما.

                                                                                                                              وفيه: دليل، على استحباب دوام التلبية في الإحرام . وعلى استحباب التلبيد.




                                                                                                                              الخدمات العلمية