الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2556 باب النكاح، على وزن نواة من ذهب

                                                                                                                              وذكره النووي ، في الباب المتقدم

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 215 - 216 جـ 9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: "ما هذا؟" قال: يا رسول الله! إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. قال: "فبارك الله لك. أولم ولو بشاة " ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه، (أثر صفرة) . [ ص: 219 ] وفي رواية، في غير كتاب مسلم: "رأى عليه صفرة". وفي رواية: "ردع من زعفران". والردع: هو أثر الطيب.

                                                                                                                              والصحيح في معنى هذا الحديث: أنه تعلق به أثر من الزعفران وغيره، من طيب العروس، ولم يقصده ولا تعمد التزعفر; فقد ثبت في الصحيح: النهي عن التزعفر للرجال. وكذا نهى الرجال عن الخلوق، لأنه شعار النساء، وقد نهي الرجال عن التشبه بالنساء.

                                                                                                                              فهذا هو الصحيح في معنى الحديث. وهو الذي اختاره القاضي، والمحققون.

                                                                                                                              قال القاضي: وقيل: إنه يرخص في ذلك للرجل العروس. وقد جاء ذلك في أثر، ذكره أبو عبيد: " أنهم كانوا يرخصون في ذلك للشاب، أيام عرسه ".

                                                                                                                              قال: وقيل: لعله كان يسيرا فلم ينكر.

                                                                                                                              قال: وقيل: كان في أول الإسلام، من تزوج لبس ثوبا مصبوغا، علامة لسروره وزواجه. قال: وهذا غير معروف.

                                                                                                                              وقيل: يحتمل أنه كان في ثيابه دون بدنه. ومذهب مالك وأصحابه: [ ص: 220 ] جواز لبس الثياب المزعفرة. وحكاه مالك عن علماء المدينة. وهذا مذهب ابن عمر وغيره. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز ذلك للرجل.

                                                                                                                              (قال: ما هذا؟) . فيه: أنه يستحب للإمام والفاضل: تفقد أصحابه، والسؤال عما يختلف من أحوالهم.

                                                                                                                              (قال: يا رسول الله ! إني تزوجت امرأة، على وزن نواة من ذهب) .

                                                                                                                              قال الخطابي: النواة: اسم لقدر معروف عندهم، فسروها بخمسة دراهم من ذهب.

                                                                                                                              قال عياض : كذا فسرها أكثر العلماء. وقال أحمد: هي ثلاثة دراهم وثلث.

                                                                                                                              وقيل: المراد: نواة التمر. أي: وزنها من ذهب. والصحيح الأول. وقال بعض المالكية: النواة: ربع دينار عند أهل المدينة.

                                                                                                                              و ظاهر كلام أبي عبيد أنه، "أي: عبد الرحمن بن عوف " دفع خمسة دراهم. [ ص: 221 ] قال: ولم يكن هناك ذهب، إنما هي خمسة دراهم، تسمى: "نواة"

                                                                                                                              كما تسمى الأربعون: "أوقية"

                                                                                                                              قال في النيل: في روايات البخاري: "نواة من ذهب ". ورجحها الداودي، واستنكر رواية من روى: " وزن نواة".

                                                                                                                              قال الحافظ: واستنكاره منكر، لأن الذين جزموا بذلك: أئمة حفاظ.

                                                                                                                              قال عياض : لا وهم في الرواية. لأنها إن كانت نواة تمر، أو غيره، أو كان للنواة قدر معلوم: صح أن يقال في كل ذلك: "نواة". فقيل: المراد: واحدة نوى التمر، وأن القيمة عنها يومئذ: كانت " خمسة دراهم ". وقيل: كان قدرها يومئذ: "ربع دينار".

                                                                                                                              ورد: بأن نوى التمر يختلف في الوزن. فكيف يجعل معيارا لما يوزن به؟

                                                                                                                              وقيل غير ذلك.

                                                                                                                              قال: والحديث يدل على أنه، يجوز أن يكون المهر شيئا حقيرا: كالنعلين، والمد من الطعام، ووزن نواة من ذهب. انتهى.

                                                                                                                              (قال: فبارك الله لك) .

                                                                                                                              [ ص: 222 ] فيه: استحباب الدعاء للمتزوج. وأن يقال: بارك الله لك، أو نحوه. (أولم ولو بشاة) .

                                                                                                                              قال العلماء، من أهل اللغة، والفقهاء، وغيرهم: "الوليمة": الطعام المتخذ للعرس. مشتقة من: "الولم"، وهو الجمع. لأن الزوجين يجتمعان. قاله الأزهري وغيره.

                                                                                                                              وقال ابن الأنباري: أصلها: تمام الشيء واجتماعه. والفعل منها: "أولم". وتقع على كل طعام يتخذ لسرور. وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد. وفي غيرها مع التقييد.

                                                                                                                              قال النووي : "الضيافات" ثمانية أنواع; "الوليمة": للعرس. و"الخرص" بالصاد وبالسين: للولادة.

                                                                                                                              "والإعذار": للختان. "والوكيرة": للبناء. "والنقيعة": لقدوم المسافر. "والعقيقة": يوم سابع الولادة. "والوضيمة": الطعام عند المصيبة. "والمأدبة": الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: لم يثبت من هذه الأنواع "في السنة المطهرة" شيء، إلا الوليمة، والعقيقة. ولا دليل على غير هذين الطعامين.

                                                                                                                              قال: والأصح عند الشافعية، أن وليمة العرس: "سنة مستحبة". ويحملون هذا الأمر في الحديث: "على الندب". وبه قال مالك وغيره.

                                                                                                                              [ ص: 223 ] وأوجبها داود وغيره. انتهى.

                                                                                                                              قلت: وظاهر الأمر: "الوجوب". وقد روى القول به: القرطبي، عن مذهب مالك، وروى ابن التين أيضا: " الوجوب " عن مذهب أحمد. لكن الذي في المغني:) "أنها سنة".

                                                                                                                              وكذا حكي: " الوجوب "، عن أحد قولي الشافعي. قال سليم الرازي: إنه ظاهر نص الأم.

                                                                                                                              وبهذا، يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب.

                                                                                                                              ومن أدلة الوجوب: حديث وحشي بن حرب، رفعه: "الوليمة حق" أخرجه الطبراني.

                                                                                                                              وفي مسلم: "شر الطعام طعام الوليمة". ثم قال: " وهو حق".

                                                                                                                              وفي رواية لأبي الشيخ وغيره، من حديث أبي هريرة، رفعه:

                                                                                                                              "الوليمة حق وسنة. فمن دعي إليها فلم يجب، فقد عصى"

                                                                                                                              وفي الحديث: دليل على أن الشاة، أقل ما يجزئ في الوليمة، عن الموسر.

                                                                                                                              ولولا ثبوت; أنه صلى الله عليه وآله وسلم، أولم على بعض نسائه [ ص: 224 ] بأقل من الشاة، لكان يمكن أن يستدل به: على أن "الشاة" أقل ما يجزئ في الوليمة مطلقا.

                                                                                                                              ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد. وفي تناوله لغيره خلاف في الأصول.

                                                                                                                              ونقل عياض : الإجماع على أنه لا حد لقدرها المجزئ. بل بأي شيء أولم من الطعام، حصلت الوليمة.

                                                                                                                              وقد ذكر مسلم ، في وليمة عرس صفية: "أنها كانت بغير لحم".

                                                                                                                              وفي وليمة زينب: " أشبعنا خبزا ولحما.

                                                                                                                              قال: وكل هذا جائز، تحصل به الوليمة، لكن يستحب: أن تكون على قدر حال الزوج.

                                                                                                                              قال النووي : قال القاضي: واختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين; فكرهته طائفة. ولم تكرهه طائفة.

                                                                                                                              قال: واستحب مالك للموسر: كونها أسبوعا. انتهى. وسيأتي الكلام على الوليمة، بعد ذلك، إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                              قال النووي : واختلف العلماء في وقت فعلها، والأصح عند مالك:

                                                                                                                              بعد الدخول. قيل: عند العقد.

                                                                                                                              [ ص: 225 ] وقيل: عنده، وبعده.

                                                                                                                              قال السبكي: والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

                                                                                                                              أنها بعد الدخول. انتهى.

                                                                                                                              وفي حديث أنس; عند البخاري، وغيره: التصريح بأنها بعد الدخول. لقوله: "أصبح عروسا بزينب، فدعا القوم".




                                                                                                                              الخدمات العلمية