الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2656 [ ص: 289 ] باب في القسم بين النساء

                                                                                                                              وقال النووي : (باب القسم بين الزوجات. وبيان السنة: أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 46 - 47 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أنس قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده، فتقاولتا حتى استخبتا، وأقيمت الصلاة فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة واحث في أفواههن التراب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة: الآن يقضي النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، فيجيء أبو بكر فيفعل بي ويفعل، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أتاها أبو بكر فقال لها قولا شديدا، وقال: أتصنعين هذا؟ ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس) رضي الله عنه، (قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة) .

                                                                                                                              وهن اللاتي توفي عنهن صلى الله عليه وآله وسلم وهن: عائشة، وحفصة، وسودة، وزينب، وأم سلمة، وأم حبيبة، وميمونة، وجويرية، وصفية. "رضي الله عنهن".

                                                                                                                              [ ص: 290 ] ويقال: نسوة ونسوة. بكسر النون وضمها. لغتان. والكسر أفصح وأشهر. وبه جاء القرآن العزيز .

                                                                                                                              وفيه: دليل على أن القسمة كانت بين تسع، ولكن المشهور: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يقسم بين ثمان من نسائه فقط. فكان يجعل لعائشة يومين: يومها، ويوم سودة الذي وهبته لها. ولكل واحدة يوما.

                                                                                                                              (فكان إذا قسم بينهن، لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع) أي: بعد انقضاء التسع.

                                                                                                                              وفيه: أنه يستحب أن لا يزيد في القسم على ليلة ليلة. لأن فيه مخاطرة بحقوقهن. قاله النووي .

                                                                                                                              (فكن يجتمعن في كل ليلة، في بيت التي يأتيها) .

                                                                                                                              وفيه: أنه يستحب للزوج، أن يأتي كل امرأة في بيتها، ولا يدعوهن إلى بيته. لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته، كان له ذلك. وهو خلاف الأفضل.

                                                                                                                              ولو دعاها إلى بيت ضرائرها، لم تلزمها الإجابة. ولا تكون بالامتناع [ ص: 291 ] ناشزة، بخلاف ما إذا امتنعت من الإتيان إلى بيته. لأن عليها ضررا في الإتيان إلى ضرتها.

                                                                                                                              و هذا الاجتماع كان برضاهن.

                                                                                                                              وفيه: أنه لا يأتي غير صاحبة النوبة في بيتها، في الليل. بل ذلك حرام عند الشافعية، إلا لضرورة، بأن حضرها الموت، أو نحوه من الضرورات. قاله النووي .

                                                                                                                              وقال في شرح المنتقى: فيه دليل على أنه لا يشترط في العدل بين الزوجات: أن يفرد لكل واحدة ليلة، بحيث لا يجتمع فيها مع غيرها; بل يجوز مجالسة غير صاحبة النوبة ومحادثتها. ولهذا كن يجتمعن كل ليلة، في بيت صاحبة النوبة.

                                                                                                                              وكذلك يجوز للزوج: دخول بيت غير صاحبة النوبة، والدنو منها، واللمس، إلا الجماع. كما في حديث عائشة. انتهى.

                                                                                                                              (فكان) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب) .

                                                                                                                              [ ص: 292 ] قيل: إنه لم يكن عمدا، بل ظنها عائشة صاحبة النوبة، لأنه كان في الليل، وليس في البيوت مصابيح.

                                                                                                                              وقيل: كان مثل هذا برضاهن.

                                                                                                                              (فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده، فتقاولتا حتى استخبتا) : من السخب، وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها. ويقال أيضا: "صخب" بالصاد.

                                                                                                                              هكذا هو في معظم الأصول. وكذا نقله عياض عن رواية الجمهور. وفي بعض النسخ: (استخبثتا) . أي: قالتا الكلام الرديء. وفي بعضها: (استحيتا) من الاستحياء.

                                                                                                                              ونقل عياض عن رواية بعضهم: (استحثتا) . قال: ومعناه - إن لم يكن تصحيفا -: أن كل واحدة، حثت في وجه الأخرى التراب.

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسن الخلق، وملاطفة الجميع.

                                                                                                                              (وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر) "رضي الله عنه" (على ذلك، فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله ! إلى الصلاة) .

                                                                                                                              قال النووي : وقد يحتج الحنفية بقوله: (مد يده، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ) . ولا حجة فيه، فإنه لم يذكر: أنه لمس بلا [ ص: 293 ] حائل. ولا يحصل مقصودهم حتى يثبت: أنه لمس بشرتها بلا حائل، ثم صلى ولم يتوضأ. وليس في الحديث شيء من هذا.

                                                                                                                              (واحث في أفواههن التراب) . مبالغة في زجرهن، وقطع خصامهن. وفيه: فضيلة لأبي بكر "رضي الله عنه"، وشفقته، ونظره في المصالح. وفيه: إشارة المفضول على صاحبه الفاضل، بمصلحته) . والله أعلم.

                                                                                                                              (فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت عائشة: الآن يقضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته، فيجيء أبو بكر) رضي الله عنه، (فيفعل بي ويفعل. فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته، أتاها أبو بكر رضي الله عنه، (فقال لها قولا شديدا. وقال: أتصنعين هذا؟) .

                                                                                                                              قال النووي : مذهبنا أنه لا يلزمه صلى الله عليه وآله وسلم، أن يقسم لنسائه. بل له اجتنابهن كلهن. لكن يكره تعطيلهن، مخافة من الفتنة عليهن والإضرار بهن.

                                                                                                                              فإن أراد القسم: لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن، إلا بقرعة. ويجوز أن يقسم: ليلة ليلة. وليلتين ليلتين. وثلاثا ثلاثا. ولا يجوز أقل من ليلة. [ ص: 294 ] ولا يجوز الزيادة على الثلاث، إلا برضاهن.

                                                                                                                              قال: هذا هو الصحيح في مذهبنا. وفيه أوجه ضعيفة في هذه المسائل، غير ما ذكرته.

                                                                                                                              واتفقوا على أنه: يجوز أن يطوف عليهن كلهن، ويطأهن في الساعة الواحدة برضاهن. ولا يجوز ذلك بغير رضاهن.

                                                                                                                              وإذا قسم كان لها اليوم، الذي بعد ليلتها.

                                                                                                                              ويقسم للمريضة، والحائض، والنفساء. لأنه يحصل لها الأنس به. ولأنه يستمتع بها بغير الوطء من: قبلة، ونظر، ولمس، وغير ذلك.

                                                                                                                              قال: وقال أصحابنا: وإذا قسم لا يلزمه الوطء، ولا التسوية فيه. بل له أن يبيت عندهن، ولا يطأ واحدة منهن. وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض. لكن يستحب أن لا يعطلهن، وأن يسوي بينهن في ذلك، كما قدمنا.

                                                                                                                              هذا آخر كلام النووي "رحمه الله"

                                                                                                                              قلت: ذهب بعض المفسرين والإصطخري، إلى أنه لا يجب القسم عليه "صلى الله عليه وآله وسلم". واستدلوا بقوله تعالى: : [ ص: 295 ] { ترجي من تشاء منهن } الآية. وذلك من خصائصه "صلى الله عليه وسلم"، قيل: كان القسم واجبا عليه. والأول أولى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية