الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2705 [ ص: 374 ] باب في قوله تعالى: { وإن تظاهرا عليه } وأورده النووي في: (باب بيان أن تخيير امرأته، لا يكون طلاقا الخ) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 85 - 87 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبيد بن حنين أنه سمع عبد الله بن عباس يحدث، قال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة. قال: فقلت له: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه، فإن كنت أعلمه أخبرتك. قال: وقال عمر: والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال: فبينما أنا في أمر أأتمره إذ قالت لي امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، فقلت لها: وما لك أنت ولما هاهنا، وما تكلفك في أمر أريده، فقالت لي: عجبا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك [ ص: 375 ] لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يظل يومه غضبان، قال عمر فآخذ ردائي، ثم أخرج مكاني، حتى أدخل على حفصة فقلت لها: يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله! إنا لنراجعه فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله يا بنية، لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، ثم خرجت حتى أدخل على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت لي أم سلمة عجبا لك يا ابن الخطاب قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، قال: فأخذتني أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها، وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر ونحن حينئذ نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلأت صدورنا منه، فأتى صاحبي الأنصاري يدق الباب، وقال: افتح افتح، فقلت: جاء الغساني؟ فقال: أشد من ذلك اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه. فقلت، رغم أنف حفصة وعائشة ، ثم آخذ ثوبي فأخرج حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرتقى إليها بعجلة، وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة، فقلت: هذا عمر فأذن لي، قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظا مضبورا، وعند [ ص: 376 ] رأسه أهبا معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، فقال: "ما يبكيك؟" فقلت: يا رسول الله! إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة؟" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما، (قال: مكثت سنة، وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا فخرجت معه. فلما رجع فكنا ببعض الطريق، عدل إلى الأراك لحاجة له. فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه، فقلت: يا أمير المؤمنين ! من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة. قال: فقلت له: والله ! إن كنت أريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك. قال: فلا تفعل. ما ظننت أن عندي من علم، فسلني عنه. فإن كنت أعلمه أخبرتك. قال: وقال عمر والله ! إن كنا في الجاهلية، ما نعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل، [ ص: 377 ] وقسم لهن ما قسم. قال: فبينما أنا في أمر أأتمره معناه: أشاور فيه نفسي وأفكر.

                                                                                                                              ومعنى "بينما، وبينا " أي: "بين أوقات ائتماري". وكذا ما أشبهه.

                                                                                                                              (إذ قالت لي امرأتي لو صنعت كذا وكذا ! فقلت لها: وما لك أنت ولما ههنا؟ وما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي: عجبا لك، يا ابن الخطاب ! ما تريد أن تراجع أنت؟ وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم حتى يظل يومه غضبان. قال عمر: فآخذ ردائي، ثم أخرج مكاني حتى أدخل) بفتح اللام (على حفصة، فقلت لها: يا بنية ! إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله ! إنا لنراجعه. فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله، وغضب رسوله. يا بنية! لا تغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها، وحب رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم إياها. ثم خرجت حتى أدخل على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها. فقالت لي أم سلمة: عجبا لك يا ابن الخطاب! قد دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم) وأزواجه؟ قال: فأخذتني أخذا، كسرتني عن بعض ما كنت أجد. فخرجت من عندها. وكان لي صاحب من الأنصار، إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتيه بالخبر) .

                                                                                                                              [ ص: 378 ] في هذا: استحباب حضور مجالس العلم. واستحباب التناوب في حضور العلم، إذا لم يتيسر لكل واحد الحضور بنفسه.

                                                                                                                              (ونحن حينئذ نتخوف ملكا، من ملوك غسان) . الأشهر: ترك صرف "غسان". وقيل: يصرف.

                                                                                                                              (ذكر لنا: أنه يريد أن يسير إلينا. فقد امتلأت صدورنا منه. فأتى صاحبي الأنصاري، يدق الباب، وقال: افتح. افتح. فقلت: جاء الغساني؟ فقال: أشد من ذلك. اعتزل رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم أزواجه) .

                                                                                                                              فيه: ما كانت الصحابة "رضي الله عنهم" عليه: من الاهتمام بأحوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والقلق التام لما يقلقه أو يغضبه.

                                                                                                                              (قال: فقلت: رغم أنف حفصة، وعائشة) . بفتح الغين، وكسرها. أي: لصق بالرغام. وهو التراب. هذا هو الأصل. ثم استعمل في كل من عجز من الانتصاف. وفي الذل والانقياد كرها.

                                                                                                                              (ثم آخذ ثوبي فأخرج، حتى جئت)

                                                                                                                              فيه: استحباب التجمل بالثوب، والعمامة، ونحوهما، عند لقاء الأئمة والكبار، احتراما لهم.

                                                                                                                              [ ص: 379 ] (فإذا رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم في مشربة له) بفتح الراء وضمها.

                                                                                                                              (يرتقى إليها بعجلها) . وفي بعض النسخ: (بعجلتها) . وفي بعضها: (بعجلة) . وكله صحيح. والأخيرة أجود.

                                                                                                                              قال ابن قتيبة وغيره: هي درجة من النخل. كما في الرواية الأخرى: "جذع".

                                                                                                                              (وغلام لرسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم أسود، على رأس الدرجة، فقلت: هذا عمر، فأذن لي. قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث. فلما بلغت حديث أم سلمة، تبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإنه لعلى حصير، ما بينه وبينه شيء. وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف. وإن عند رجليه قرظا مضبورا

                                                                                                                              وفي بعض الأصول: " مضبورا، بالضاد المعجمة. وفي بعضها: بالمهملة.

                                                                                                                              و كلاهما صحيح. أي: مجموعة.

                                                                                                                              (وعند رأسه أهبا معلقة) بفتح الهمزة والهاء، وبضمهما. لغتان مشهورتان. جمع: "إهاب". وهو "الجلد" قبل الدباغ، على قول الأكثرين.

                                                                                                                              [ ص: 380 ] وقيل: الجلد مطلقا.

                                                                                                                              (فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم فبكيت. فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله ! إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "أما ترضى أن يكون لهما الدنيا، ولك الآخرة؟") .

                                                                                                                              وفي بعضها: "لهم الدنيا". وفي أكثرها: "لهما".

                                                                                                                              وأكثر الروايات، في غير هذا: "لهم الدنيا ولنا الآخرة". قال النووي "رحمه الله": وكله صحيح. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية