الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2720 [ ص: 397 ] باب في تزويج المطلقة بعد عدتها

                                                                                                                              وقال النووي : (باب المطلقة البائن لا نفقة لها) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 104 - 105 جـ 10 المطبعة المصرية.

                                                                                                                              [عن أبي بكر بن أبي الجهم بن صخير العدوي قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول إن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حللت فآذنيني، فآذنته فخطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة بن زيد فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طاعة الله وطاعة رسوله خير لك" قالت: فتزوجته فاغتبطت ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها: (أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم سكنى [ ص: 398 ] ولا نفقة. قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "إذا حللت فآذنيني، فآذنته. فخطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أما معاوية، فرجل ترب") بفتح التاء وكسر الراء، وهو الفقير. فأكده بأنه: (لا مال له) . لأن "الفقير" قد يطلق على من له شيء يسير، لا يقع موقعا من كفايته.

                                                                                                                              (وأما أبو جهيم) هكذا في هذا الموضع. "أبو الجهيم" مصغرة.

                                                                                                                              والمشهور: أنه مكبر.

                                                                                                                              قال النووي : وهو المعروف في باقي الروايات، وفي كتب الأنساب، وغيرها.

                                                                                                                              (فرجل ضراب للنساء. ولكن أسامة. فقالت بيدها هكذا: أسامة ! أسامة ! فقال لها رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "طاعة الله وطاعة رسوله خير لك". قالت: فتزوجته فاغتبطت) .

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث فوائد كثيرة; منها: لا نفقة ولا سكنى للبائن. ومنها: جواز سماع كلام الأجنبية والأجنبي، في الاستفتاء ونحوه.

                                                                                                                              ومنها: جواز التعريض لخطبة المعتدة البائن بالثلاث.

                                                                                                                              [ ص: 399 ] ومنها: جواز الخطبة على خطبة غيره، إذا لم يحصل للأول إجابة.

                                                                                                                              لأنها أخبرته: أن معاوية، وأبا الجهم، وغيرهما، خطبوها.

                                                                                                                              ومنها: ذكر الغائب بما فيه من العيوب التي يكرهها، إذا كان للنصيحة. ولا يكون حينئذ غيبته محرمة.

                                                                                                                              ومنها: إرشاد الإنسان إلى مصلحته، وإن كرهها.

                                                                                                                              ومنها: قبول نصيحة أهل الفضل، والانقياد إلى إشارتهم، وأن عاقبتها محمودة.

                                                                                                                              ومنها: جواز نكاح غير الكفء، إذا رضيت به الزوجة والولي.

                                                                                                                              لأن فاطمة قرشية، وأسامة مولى.

                                                                                                                              ومنها: الحرص على مصاحبة أهل التقوى والفضل، وإن دنت أنسابهم. انتهى حاصله.

                                                                                                                              وقد استدل بحديث الباب: من قال: إن المطلقة بائنا، لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة والسكنى. وقد ذهب إلى ذلك: أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وأتباعهم. وحكي عن ابن عباس، والحسن البصري، وعطاء، والشعبي، وابن أبي ليلى، والأوزاعي.

                                                                                                                              وذهب الجمهور: إلى أنه لا نفقة لها. ولها السكنى.

                                                                                                                              واحتجوا للسكنى بقوله تعالى: { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } .

                                                                                                                              [ ص: 400 ] ولإسقاط النفقة مفهوم قوله تعالى: { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فإن مفهومه: أن غير الحامل لا نفقة لها. وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة.

                                                                                                                              وذهب عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وأهل الكوفة: إلى وجوب النفقة والسكنى. بدليل: { لا تخرجوهن من بيوتهن } فإن النهي عن الإخراج: يدل على وجوبهما. ويؤيده: { أسكنوهن } .

                                                                                                                              قال في النيل: وأرجح هذه الأقوال: الأول. لما في الباب من النص الصحيح الصريح. انتهى.

                                                                                                                              وقوله: { لا تخرجوهن } - في الرجعية - لآخر الآية: { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ولو سلم العموم في الآية، لكان حديث فاطمة مخصصا له. قال الدارقطني: السنة بيد فاطمة قطعا.

                                                                                                                              قال ابن القيم: نحن نشهد بالله شهادة نسأل عنها إذا لقيناه: أن هذا (يعني: حديث عمر يرفعه: "لها السكنى والنفقة") : كذب على عمر، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وينبغي أن لا يحمل الإنسان: فرط الانتصار للمذاهب، والتعصب: على معارضة السنن النبوية الصريحة، الصحيحة، بالكذب البحت. فلو كان هذا عند عمر عن [ ص: 401 ] النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لخرست فاطمة وذووها، ولم ينبزوا بكلمة، ولا دعت فاطمة إلى المناظرة. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية