الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3124 [ ص: 243 ] باب استحباب الثنيا في اليمين

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب الاستثناء في اليمين وغيرها ) .

                                                                                                                              وقال في المنتقى : ( باب من حلف فقال : إن شاء الله تعالى ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 119 - 120 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله. فقال له صاحبه، أو الملك: قل إن شاء الله. فلم يقل. ونسي. فلم تأت واحدة من نسائه، إلا واحدة جاءت بشق غلام". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولو قال: -إن شاء الله-: لم يحنث، وكان دركا له في حاجته" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم قال : " قال سليمان بن داود نبي الله ) عليهما السلام : (لأطوفن الليلة على سبعين امرأة " ) . وفي بعض النسخ : (لأطيفن الليلة ) .

                                                                                                                              قال النووي : هما لغتان فصيحتان. طاف بالشيء وأطاف به : إذا دار حوله وتكرر عليه ، فهو طائف ومطيف. وهو هنا : كناية عن الجماع.

                                                                                                                              [ ص: 244 ] وفي رواية : (كان لسليمان ستون امرأة ) ، إلى قوله : (لو كان استثنى ، ولدت كل واحدة منهن غلاما فارسا ، يقاتل في سبيل الله ) .

                                                                                                                              وفي رواية : (تسعون ) .

                                                                                                                              وفي غير صحيح مسلم : (تسع وتسعون ) .

                                                                                                                              وفي رواية : (مائة ) .

                                                                                                                              وهذا كله ليس بمتعارض ، لأنه ليس في ذكر القليل نفي الكثير. وهو من مفهوم العدد ، ولا يعمل به عند جماهير الأصوليين.

                                                                                                                              وفي هذا : بيان ما خص به الأنبياء " عليهم السلام " ، من القوة على إطاقة هذا في ليلة واحدة. وكان نبينا " صلى الله عليه وآله وسلم " : يطوف على إحدى عشرة امرأة له ، في الساعة الواحدة. كما ثبت في الصحيح. وهذا كله من زيادة القوة.

                                                                                                                              (كلهن تأتي بغلام ، يقاتل في سبيل الله ) . هذا قاله على سبيل التمني للخير. وقصد به الآخرة ، والجهاد في سبيل الله تعالى. لا لغرض الدنيا.

                                                                                                                              (فقال له صاحبه أو الملك : قل : إن شاء الله تعالى (. قيل : المراد بصاحبه : الملك. وهو الظاهر من لفظه. وقيل : القرين. وقيل : صاحب له آدمي.

                                                                                                                              وقد يحتج به : من يقول بجواز انفصال الاستثناء.

                                                                                                                              [ ص: 245 ] وأجاب الجمهور عنه : بأنه يحتمل أن يكون صاحبه قال له ذلك ، وهو بعد في أثناء اليمين.

                                                                                                                              أو أن الذي جرى منه : ليس بيمين. فإنه ليس في الحديث تصريح بيمين. والله أعلم.

                                                                                                                              (فلم يقل ، ونسي ) ضبطه بعض الأئمة : بضم النون ، وتشديد السين. قال النووي : وهو ظاهر حسن.

                                                                                                                              (فلم تأت واحدة من نسائه ، إلا واحدة جاءت بشق غلام (. قيل : هو الجسد الذي ذكره الله تعالى : أنه ألقي على كرسيه ) .

                                                                                                                              وفي رواية : (نصف إنسان ) .

                                                                                                                              وفي أخرى : (بشق رجل ) والمعنى واحد.

                                                                                                                              (قال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " ولو قال : إن شاء الله لم يحنث ، وكان دركا له في حاجته ". )

                                                                                                                              " الدرك " بفتح الراء : اسم ، من الإدراك. أي : لحاقا. قال تعالى : لا تخاف دركا .

                                                                                                                              وفي هذا الحديث فوائد؛

                                                                                                                              منها : أنه يستحب للإنسان ، إذا قال : سأفعل كذا : أن يقول: [ ص: 246 ] " إن شاء الله تعالى ". لقوله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا . ولهذا الحديث.

                                                                                                                              ومنها : أنه إذا حلف ، وقال - متصلا بيمينه - : إن شاء الله تعالى ، لم يحنث بفعله المحلوف عليه. وأن الاستثناء منع انعقاد اليمين. لقوله " صلى الله عليه وآله وسلم " في هذا الحديث: "لو قال : إن شاء الله ، لم يحنث. وكان دركا لحاجته ".

                                                                                                                              قال النووي : يشترط لصحة هذا الاستثناء شرطان ؛

                                                                                                                              أحدهما : أن يقوله متصلا باليمين.

                                                                                                                              والثاني : أن يكون نوى قبل فراغ اليمين : أن يقول : " إن شاء الله تعالى ".

                                                                                                                              قال في النيل : فيه دليل على أن التقييد بمشيئة الله ، مانع من انعقاد اليمين. أو يحل انعقادها. وقد ذهب إلى ذلك الجمهور. وادعى عليه ابن العربي الإجماع. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: قال القاضي : أجمع المسلمون على أن قوله : " إن شاء الله " : منع انعقاد اليمين ، بشرط كونه متصلا. قال : ولو جاز منفصلا كما روي عن بعض السلف : لم يحنث أحد قط في يمين ، ولم يحتج إلى كفارة.

                                                                                                                              قال : واختلفوا في الاتصال ؛

                                                                                                                              [ ص: 247 ] فقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، والجمهور : هو أن يكون قوله : " إن شاء الله " : متصلا باليمين ، من غير سكوت بينهما. ولا تضر سكتة النفس.

                                                                                                                              وعن طاوس ، والحسن ، وجماعة من التابعين : أن له الاستثناء ، ما لم يقم من مجلسه.

                                                                                                                              وقال قتادة : ما لم يقم ، أو يتكلم.

                                                                                                                              وقال عطاء : قدر حلبة ناقة.

                                                                                                                              وقال سعيد بن جبير : بعد أربعة أشهر.

                                                                                                                              وعن ابن عباس : له الاستثناء أبدا ، متى تذكره. انتهى.

                                                                                                                              قال في النيل : ولا فرق بين الحلف بالله ، أو بالطلاق ، أو العتاق : أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد. وإلى ذلك ذهب الجمهور. وبعضهم فصل.

                                                                                                                              واستثنى أحمد العتاق ، لحديث : " إن قال لعبده : أنت حر إن شاء الله تعالى ، فإنه حر ". ولكن تفرد به حميد بن مالك ، وهو مجهول. كما قال البيهقي.

                                                                                                                              قال الشوكاني : والظاهر من أحاديث الباب : أن التقييد إنما يفيد ، إذا وقع بالقول: كما ذهب إليه الجمهور ، لا مجرد النية. إلا ما زعمه مالك. وقد بوب البخاري على ذلك ، فقال : ( باب النية في الأيمان ) . انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية