الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3201 [ ص: 342 ] باب رجم الثيب في الزنا

                                                                                                                              وذكره النووي في (باب حد الزنا ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 191 - 192 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ؛ أنه سمع عبد الله بن عباس يقول : قال عمر بن الخطاب (وهو جالس على منبر رسول الله ) : : إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب. فكان مما أنزل عليه: آية الرجم. قرأناها ووعيناها وعقلناها. فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده. فأخشى (إن طال بالناس زمان ) أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله .

                                                                                                                              وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى (إذا أحصن ) من الرجال، والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف
                                                                                                                              .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أنه سمع عبد الله بن عباس ) رضي الله عنهما (يقول : قال عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه ، (وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : إن الله [ ص: 343 ] قد بعث محمدا ) صلى الله عليه وآله وسلم (بالحق ، وأنزل عليه الكتاب. فكان مما أنزل الله عليه : آية الرجم. قرأناها ووعيناها وعقلناها (.

                                                                                                                              أراد بآية الرجم : " الشيخ والشيخة إذا زنيا ، فارجموهما ألبتة ".

                                                                                                                              وهذه المقالة وقعت من عمر ، لما صدر من الحج وقدم المدينة.

                                                                                                                              وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه. وقد وقع نسخ حكم دون اللفظ.

                                                                                                                              ووقع نسخهما جميعا ، فما نسخ لفظه ليس له حكم القرآن ، في تحريمه على الجنب ونحو ذلك. قاله النووي.

                                                                                                                              وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية : دلالة ظاهرة ، على أن المنسوخ لفظا : لا يكتب في المصحف.

                                                                                                                              وفي إعلان " عمر " الرجم وهو على المنبر ، وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار : دليل على ثبوت الرجم.

                                                                                                                              قال النووي : وقد يستدل به على أنه لا يجلد مع الرجم. وقد تمتنع دلالته ، لأنه لم يتعرض للجلد ، وقد ثبت في القرآن والسنة. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 344 ] وتقدم الجواب على المنع ، من الجمع بينهما.

                                                                                                                              (فرجم رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ، ورجمنا بعده ) .

                                                                                                                              ونسخ التلاوة ، لا يستلزم نسخ الحكم ، وأخرج أحمد ، والطبراني في الكبير ، من حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته " العجماء " : أن فيما أنزل الله من القرآن : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ، بما قضيا من اللذة ". وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بن كعب ، بلفظ : " كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة ، وكان فيها آية الرجم : الشيخ والشيخة" الحديث.

                                                                                                                              (فأخشى " إن طال بالناس زمان " أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله تعالى. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ) .

                                                                                                                              هذا الذي خشيه ، قد وقع من الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة ؛ أنكروا ثبوت مشروعية الرجم.

                                                                                                                              وعن ابن عباس ، أن عمر قال : سيجيء أقوام ، يكذبون بالرجم. رواه الطبراني ، وعبد الرزاق.

                                                                                                                              وفي رواية : " وإن ناسا يقولون : ما بال الرجم ؟ فإن ما في ( [ ص: 345 ] كتاب الله تعالى : الجلد " رواه النسائي وهذا من كرامات عمر " رضي الله عنه ".

                                                                                                                              قال النووي : ويحتمل أنه علم ذلك من جهة النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              قلت : وفي النيل : هذا من المواطن ، التي وافق حدس عمر فيها : الصواب. وقد وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بارتفاع طبقته في ذلك الشأن. كما قال : " إن يكن في هذه الأمة محدثون فمنهم عمر ) . انتهى.

                                                                                                                              (وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى " إذا أحصن " من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف ) .

                                                                                                                              قال النووي : أجمع العلماء على أن الرجم ، لا يكون إلا على من زنى وهو محصن.

                                                                                                                              وأجمعوا على أنه ؛ إذا قامت البينة بزناه وهو محصن : يرجم.

                                                                                                                              وأجمعوا على أن البينة ؛ أربعة شهداء ذكور عدول. هذا إذا شهدوا على نفس الزنا. ولا يقبل دون الأربعة. وإن اختلفوا في صفاتهم.

                                                                                                                              وأجمعوا على وجوب الرجم ، على من اعترف بالزنا وهو محصن ، يصح إقراره بالحد.

                                                                                                                              [ ص: 346 ] واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات. انتهى.

                                                                                                                              والحق : عدم التكرار. قال وأما الحبل وحده ، فمذهب عمر : وجوب الحد به ، إذا لم يكن لها زوج ولا سيد. وتابعه مالك ، وأصحابه. قالوا : إلا أن تكون غريبة طارئة ، وتدعي أنه من زوج أو سيد.

                                                                                                                              قالوا : ولا تقبل دعواها : الإكراه ، إذا لم تقم بذلك مستغيثة ، عند الإكراه ، قبل ظهور الحمل.

                                                                                                                              وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وجماهير العلماء : لا حد عليها بمجرد الحبل مطلقا ، إلا ببينة ، أو اعتراف. لأن الحدود تسقط بالشبهات. انتهى.

                                                                                                                              قال في النيل : والحاصل : أن هذا من قول عمر. ومثل ذلك ، لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم ، الذي يفضي إلى هلاك النفوس.

                                                                                                                              وكونه قاله في مجمع من الصحابة ، ولم ينكر عليه : لا يستلزم أن يكون إجماعا. لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد ، غير لازم للمخالف ، ولاسيما والقائل بذلك "عمر"، وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة [ ص: 347 ] وغيرهم. اللهم ! إلا أن يدعي : أن قوله هذا ، من تمام ما يرويه عن كتاب الله تعالى. ولكنه خلاف الظاهر ، لأن الذي كان في كتاب الله : هو ما سلف. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية