الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3220 باب : كم يجلد في شرب الخمر؟

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب حد الخمر ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 216 - 217 ج 11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن حضين بن المنذر (أبي ساسان ) ، قال : شهدت عثمان بن عفان (وأتي بالوليد ، قد صلى الصبح ركعتين ، ثم قال : أزيدكم ؟ ) فشهد عليه رجلان (أحدهما حمران ) : أنه شرب الخمر. وشهد آخر : أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان : إنه لم يتقيأ ، حتى شربها. فقال : يا علي! قم ، فاجلده. فقال علي : قم ، يا حسن ! فاجلده. فقال الحسن : ول حارها ، من تولى قارها. (فكأنه وجد عليه ) . فقال : يا عبد الله بن جعفر! قم ، فاجلده. فجلده ، (وعلي يعد ) . حتى بلغ أربعين. فقال : أمسك. ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين. وعمر ثمانين. وكل سنة. وهذا أحب إلي.]

                                                                                                                              [ ص: 387 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 387 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن حضين بن المنذر ) بضم الحاء المهملة ، وفتح الضاد المعجمة. قال النووي : ليس في الصحيحين " حضين " ، غيره.

                                                                                                                              (أبي ساسان. قال : شهدت عثمان بن عفان ) رضي الله عنه ؛ (أتي بالوليد بن عقبة ، (قد صلى الصبح ركعتين. ثم قال : أزيدكم ؟ قال : فشهد عليه رجلان " أحدهما حمران " : أنه شرب الخمر. وشهد آخر : أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان : إنه لم يتقيأ ، حتى شربها ) .

                                                                                                                              فيه : دليل على أنه يكفي في ثبوت حد الشرب : شاهدان . أحدهما : يشهد على الشرب. والآخر : على القيء. ووجه الاستدلال بذلك : أنه وقع بمجمع من الصحابة ، ولم ينكروا عليه.

                                                                                                                              قال النووي : هذا دليل لمالك وموافقيه ، في أن من تقيأ الخمر : يحد حد الشارب.

                                                                                                                              ومذهب الشافعية : أنه لا يحد بمجرد ذلك. لاحتمال : أنه شربها جاهلا كونها خمرا ، أو مكرها عليها ، أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحدود.

                                                                                                                              [ ص: 388 ] قلت : وبه ، قال الحنفية أيضا.

                                                                                                                              قال : ودليل مالك هنا ، قوي. لأن الصحابة اتفقوا على حد الوليد ، المذكور في هذا الحديث.

                                                                                                                              وقد يجيب أصحابنا عن هذا : بأن "عثمان " علم شرب الوليد ، فقضى بعلمه في الحدود. وهذا تأويل ضعيف. وظاهر كلام عثمان : يرد على هذا التأويل. انتهى.

                                                                                                                              فقال : يا علي ! قم ، فاجلده. فقال علي ! قم ، يا حسن ! فاجلده. فقال الحسن : ول حارها ، من تولى قارها ) .

                                                                                                                              " الحار ": الشديد المكروه. "والقار " : البارد الهنيء الطيب. وهذا مثل من أمثال العرب.

                                                                                                                              قال الأصمعي وغيره : معناه : ول شدتها وأوساخها : من تولى هنيئها ولذاتها. والضمير عائد إلى الخلافة والولاية. أي : كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة ، ويختصون به : يتولون بكدها ، وقاذوراتها.

                                                                                                                              ومعناه : ليتول هذا الجلد : عثمان بنفسه. أو بعض خاصة أقاربه الأدنين. والله أعلم. قاله النووي..

                                                                                                                              [ ص: 389 ] ومعنى الحديث : أنه لما ثبت الحد على الوليد بن عقبة ، قال عثمان وهو الإمام ، لعلي على سبيل التكرم له ، وتفويض الأمر إليه في استيفاء الحد : أقم عليه الحد، بأن تأمر من ترى بذلك. فقبل علي ذلك. فقال للحسن : قم فاجلده. فامتنع ) الحسن.

                                                                                                                              (فكأنه وجد عليه. فقال : يا عبد الله ! لابن جعفر : قم فاجلده. فجلده ) وكان علي مأذونا له في التفويض إلى من رأى ، كما ذكرنا (وعلي ) رضي الله عنه (يعد ، حتى بلغ أربعين ، فقال : أمسك. ثم قال : جلد النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم أربعين. وجلد أبو بكر أربعين. وعمر ثمانين. وكل سنة ) .

                                                                                                                              قال النووي : هذا دليل على أن عليا " رضي الله عنه ، كان معظما لآثار عمر. وأن حكمه وقوله سنة. وأمره حق. وكذلك أبو بكر رضي الله عنه. خلاف ما يكذبه الشيعة عليه.

                                                                                                                              قال : واعلم أنه وقع هنا في مسلم ، ما ظاهره أن عليا جلد الوليد بن عقبة أربعين. ووقع في صحيح البخاري ، من رواية عبد الله بن عدي بن الخيار : أن عليا جلد ثمانين. وهي قضية واحدة. قال عياض : المعروف من مذهب علي " رضي الله عنه " : الجلد في الخمر " ثمانين ".

                                                                                                                              [ ص: 390 ] ومنه قوله : في قليل الخمر وكثيرها : ثمانون جلدة. وروي عنه : أنه جلد المعروف بالنجاشي " ثمانين ". قال : والمشهور أن عليا ، هو الذي أشار على عمر بإقامة الحد " ثمانين". كما في رواية الموطإ وغيره. قال : وهذا كله يرجح رواية من روى : أنه جلد الوليد " ثمانين " قال : ويجمع بينه ، وبين ما ذكره. مسلم من رواية الأربعين : بما روي أنه جلده بسوط له رأسان فضربه برأسه " أربعين ". فتكون جملتها " ثمانين ". قال : ويحتمل أن يكون قوله : (وهذا أحب إلي ) عائد إلى الثمانين ، التي فعلها عمر. هذا كلام القاضي.

                                                                                                                              وفي نيل الأوطار : ولكنه يشكل من وجه آخر. وهو أن الكل من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفعل عمر لا يكون سنة ) . بل السنة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط. وقد قيل : إن المراد : أن ذلك جائز قد وقع ، لا محذور فيه.

                                                                                                                              ويمكن أن يقال : إن إطلاق " السنة " على فعل الخلفاء : لا بأس به. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين الهادين. عضوا عليها بالنواجذ (4 ) . ويمكن أن يقال : إن المراد بالسنة " : الطريقة المألوفة. وقد ألف الناس ذلك في زمن [ ص: 391 ] عمر. كما ألفوا الأربعين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وزمن أبي بكر. انتهى.

                                                                                                                              وبالجملة ؛ هذا الحديث ، فيه دليل على مشروعية حد الشرب. وقد ادعى عياض : الإجماع على ذلك. وقال في البحر : ولا ينقص حده عن الأربعين إجماعا. وذكر أن الخلاف ، إنما هو في الزيادة على الأربعين.

                                                                                                                              والحاصل ؛ أن دعوى إجماع الصحابة وغيرهم ، غير مسلمة. فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها. وردت به الروايات الصحيحة. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الاقتصار على مقدار معين ، حتى يصار إليه ويعول عليه. بل جلد تارة بالجريد. وتارة بالنعال. وتارة بهما فقط. وتارة بهما مع الثياب. وتارة بالأيدي والنعال.

                                                                                                                              والمنقول من المقادير في ذلك : إنما هو بطريق التخمين. فالأولى : الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال. وتكون جميعها جائزة. فأيها وقع : فقد حصل به الجلد المشروع، الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل والقول. كما في حديث : " من شرب الخمر فاجلدوه".

                                                                                                                              فالجلد المأمور به : هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن الصحابة بين يديه. ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين ، لا يجوز غيره ) .

                                                                                                                              [ ص: 392 ] لا يقال : الزيادة مقبولة ، فيتعين المصير إليها. وهي رواية " الثمانين " لأنا نقول : هي زيادة شاذة.

                                                                                                                              ومما يؤيد عدم ثبوت مقدار معين عنه صلى الله عليه وآله وسلم : أن عمر طلب المشورة من الصحابة. فأشاروا عليه بآرائهم. ولو كان قد ثبت تقديره عنه صلى الله عليه وآله وسلم : لما جهله جميع أكابر الصحابة. والله أعلم بالصواب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية