الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3245 [ ص: 416 ] باب اختلاف المجتهدين في الحكم

                                                                                                                              وقال النووي مثله.

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 18 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود ، فقضى به للكبرى . فخرجتا على سليمان بن داود (عليهما السلام ) ، فأخبرتاه. فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما. فقالت الصغرى: لا. يرحمك الله! هو ابنها. فقضى به للصغرى" .

                                                                                                                              قال : قال أبو هريرة : والله ! إن سمعت بالسكين قط ، إلا يومئذ. ما كنا نقول إلا المدية.]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة رضي الله عنه : (عن النبي صلى الله عليه وآله (وسلم ، قال : بينما امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما. فقالت هذه لصاحبتها : إنما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود عليه الصلاة والسلام ، فقضى [ ص: 417 ] به للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود " عليهما السلام " ، فأخبرتاه. فقال ائتوني بالسكين ؛ أشقه بينكما. فقالت الصغرى : لا. يرحمك الله ! هو ابنها ) .

                                                                                                                              معناه لا تشقه. وتم الكلام. ثم استأنفت فقالت : يرحمك الله !

                                                                                                                              قال العلماء : ويستحب أن يقال في مثل هذا بالواو. فيقال : لا. ويرحمك الله !.

                                                                                                                              (فقضى به للصغرى (استدلالا بشفقة الصغرى : على أنها أمه. وأما الكبرى فما كرهت ذلك ، بل أرادته ، لتشاركها صاحبتها في المصيبة بفقد ولدها.

                                                                                                                              (قال : قال أبو هريرة : والله ! إن سمعت بالسكين قط ، إلا يومئذ. ما كنا نقول إلا المدية ) بضم الميم ، وكسرها ، وفتحها. سميت به : لأنها تقطع مدى حياة الحيوان.

                                                                                                                              " والسكين " تذكر ، وتؤنث. لغتان. ويقال أيضا : " سكينة " لأنها تسكن حركة الحيوان.

                                                                                                                              قال النووي : قال العلماء : يحتمل أن داود " عليه السلام "، قضى به للكبرى ، لشبه رآه فيها. أو أنه كان في شريعته : الترجيح بالكبر. أو لكونه كان في يدها. وكان ذلك مرجحا في شرعه. [ ص: 418 ] وأما سليمان ، فتوصل بطريق من الحيلة والملاطفة : إلى معرفة باطن القضية ، فأوهمهما : أنه يريد قطعه ، ليعرف من يشق عليها قطعه ، فتكون هي أمه. فلما أرادت الكبرى قطعه : عرف أنها ليست أمه. فلما قالت الصغرى ما قالت : عرف أنها أمه. ولم يكن مراده : أنه يقطعه حقيقة. وإنما أراد : اختبار شفقتهما لتتميز له الأم. فلما تميزت بما ذكرت ، عرفها. ولعله استقر الكبرى ، فأقرت بعد ذلك به للصغرى ، فحكم للصغرى بالإقرار ، لا بمجرد الشفقة المذكورة.

                                                                                                                              قال العلماء : ومثل هذا يفعله الحكام ، ليتوصلوا به إلى حقيقة الصواب. بحيث إذا انفرد ذلك ، لم يتعلق به حكم.

                                                                                                                              فإن قيل : كيف حكم سليمان بعد حكم داود ، في القصة الواحدة ، ونقض حكمه ، والمجتهد لا ينقض حكم المجتهد ؟ فالجواب من أوجه ؛

                                                                                                                              أحدها : أن " داود " لم يكن جزم بالحكم.

                                                                                                                              والثاني : أن يكون ذلك فتوى منه ، لا حكما.

                                                                                                                              والثالث : لعله كان في شرعهم : فسخ الحكم إذا رفعه الخصم إلى حاكم آخر ، يرى خلافه.

                                                                                                                              [ ص: 419 ] والرابع : أن " سليمان " فعل ذلك حيلة إلى إظهار الحق ، وظهور الصدق. فلما أقرت به الكبرى عمل بإقرارها ، وإن كان بعد الحكم كما إذا اعترف المحكوم له بعد الحكم : أن الحق هنا لخصمه. انتهى .

                                                                                                                              وفي الحديث : دليل على جواز وقوع الاختلاف بين المجتهدين في الحكم. وهو المراد هنا. وفيه : أن الحق والإصابة مع واحد. لا مع كل واحد منهم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية