الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3318 (باب رد المهاجرين على الأنصار المنائح ، بعد الفتح عليهم)

                                                                                                                              وقال النووي : (باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم ، من الشجر والتمر ، حين استغنوا عنها بالفتوح) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 99 - 100 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أنس بن مالك، قال: لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء وكان الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم، كل عام. ويكفونهم العمل والمئونة. وكانت أم أنس بن مالك، وهي تدعى: "أم سليم"، وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة كان أخا لأنس لأمه. [ ص: 180 ] وكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم: عذاقا لها. فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن، مولاته، أم أسامة بن زيد .

                                                                                                                              قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم قال فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه
                                                                                                                              قال ابن شهاب وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفي أبوه فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ، قال : (لما قدم المهاجرون من مكة المدينة ، قدموا وليس بأيديهم شيء . وكان الأنصار أهل الأرض والعقار) . أراد بالعقار هنا : النخل . قال الزجاج : " العقار " : كل ما له أصل . قال : وقيل : إن النخل خاصة ، يقال له : " العقار " .

                                                                                                                              فقاسمهم الأنصار ، على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم ، كل عام .

                                                                                                                              ويكفونهم العمل والمؤونة) .

                                                                                                                              قال أهل العلم : لما قدم المهاجرون ، آثرهم الأنصار بمنائح من [ ص: 181 ] أشجارهم . فمنهم : من قبلها منيحة محضة . ومنهم : من قبلها بشرط أن يعمل في الشجر والأرض ، وله نصف الثمار . ولم تطب نفسه أن يقبلها منيحة محضة . هذا ، لشرف نفوسهم . وكراهتهم أن يكونوا كلا . وكان هذا مساقاة . أو في معنى المساقاة . (وكانت أم أنس بن مالك ، وهي تدعى : " أم سليم " . وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة ، كان أخا لأنس لأمه . وكانت أعطت أم أنس ، رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم : عذاقا لها) بكسر العين . جمع " عذق ، بفتحها . وهي النخلة . ككلب وكلاب ، وبئر) وبئار .

                                                                                                                              (فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أيمن ، مولاته ، أم أسامة بن زيد) .

                                                                                                                              هذا دليل لما تقدم ، أنه لم يكن كل ما أعطت الأنصار على المساقاة . بل كان فيه ما هو منيحة ومواساة . وهذا منه . وهو محمول على أنها أعطته صلى الله عليه وآله وسلم ثمارها ، يفعل فيها ما شاء : من أكله بنفسه وعياله وضيفه ، وإيثاره بذلك لمن شاء . فلهذا آثر بها : " أم أيمن" . ولو كانت إباحة له خاصة ، لما أباحها لغيره . لأن المباح له بنفسه ، لا يجوز له أن يبيح ذلك الشيء لغيره . بخلاف الموهوب له "نفس رقبة الشيء". فإنه يتصرف فيه كيف شاء .

                                                                                                                              (قال ابن شهاب : فأخبرني أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله [ ص: 182 ] عليه) وآله (وسلم ، لما فرغ من قتال أهل خيبر ، وانصرف إلى المدينة ، رد المهاجرون إلى الأنصار ، منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم) . يعني : لما فتحت عليهم " خيبر " ، استغنى المهاجرون بأنصبائهم فيها ، عن تلك المنائح ، فردوها إلى الأنصار .

                                                                                                                              وفيه : فضيلة ظاهرة للأنصار ، في مواساتهم وإيثارهم ، وما كانوا عليه من حب الإسلام وإكرام أهله ، وأخلاقهم الجميلة ، ونفوسهم الطاهرة . وقد شهد الله تعالى لهم بذلك ، فقال : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ، الآية .

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا دليل ، على أنها كانت منائح ثمار . أي : إباحة للثمار ، لا تمليك لأرقاب النخل . فإنها لو كانت هبة لرقبة النخل ، لم يرجعوا فيها . فإن الرجوع في الهبة بعد القبض : لا يجوز . وإنما كانت إباحة كما ذكرنا . " والإباحة " : يجوز الرجوع فيها متى شاء . ومع هذا لم يرجعوا فيها ، حتى اتسعت الحال على المهاجرين بفتح خيبر ، واستغنوا عنها . فردوها على الأنصار فقبلوها . وقد جاء في الحديث : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال لهم ذلك .

                                                                                                                              (قال : فرد رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم إلى أمي : عذاقها . وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم أم أيمن : مكانهن من حائطه . قال ابن شهاب : وكان من شأن أم أيمن ، أم أسامة بن زيد) [ ص: 183 ] رضي الله عنهم ; (أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب . وكانت من الحبشة) . هذا تصريح من ابن شهاب ، أن أم أيمن حبشية) . وكذا قاله الواقدي وغيره . ويؤيده : ما ذكره بعض المؤرخين ، أنها كانت من سبي الحبشة ، أصحاب الفيل.

                                                                                                                              وقيل : إنها لم تكن حبشية . وإنما الحبشية : امرأة أخرى.

                                                                                                                              واسم أم أيمن ، التي هي أم أسامة : "بركة". كنيت بابنها : " أيمن ابن عبيد الحبشي " . صحابي ، استشهد يوم خيبر . قاله الشافعي وغيره .

                                                                                                                              (فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ، بعد ما توفي أبوه ، فكانت " أم أيمن " تحضنه ، حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأعتقها . ثم أنكحها زيد بن حارثة . ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، بخمسة أشهر) .




                                                                                                                              الخدمات العلمية