الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4307 [ ص: 91 ] باب: في سدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: شعره، وفرقه

                                                                                                                              وأورده النووي، في: (الباب السابق).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص 90 جـ 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عباس قال كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس) رضي الله عنهما؛ (قال: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم).

                                                                                                                              قال أهل اللغة: يقال: "سدل يسدل، بضم الدال، وكسرها.

                                                                                                                              قال عياض: سدل الشعر: إرساله. قال: والمراد به هنا، عند العلماء: إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصة. يقال: "سدل شعره، وثوبه": إذا لم يضم جوانبه، وأرسله.

                                                                                                                              (وكان المشركون، يفرقون رؤوسهم). "الفرق": هو فرق الشعر، بعضه من بعض.

                                                                                                                              (وكان رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: يحب موافقة أهل [ ص: 92 ] الكتاب، فيما لم يؤمر به. فسدل رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: ناصيته، ثم فرق بعد).

                                                                                                                              قال العلماء: "الفرق": سنة؛ لأنه الذي رجع إليه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم. قالوا: فالظاهر أنه إنما رجع إليه بوحي، لقوله: "إنه كان يوافق أهل الكتاب؛ فيما لم يؤمر به". قال عياض: حتى قال بعضهم: نسخ السدل، فلا يجوز فعله، ولا اتخاذ الناصية والجمة. قال: ويحتمل أن المراد: جواز الفرق، لا وجوبه. ويحتمل: أن الفرق كان باجتهاد في مخالفة أهل الكتاب، لا بوحي. ويكون الفرق مستحبا.

                                                                                                                              ولهذا اختلف السلف فيه؛ ففرق منهم جماعة. واتخذ اللمة آخرون. وقد جاء في الحديث: "أنه كان للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم: لمة. فإن انفرقت: فرقها. وإلا تركها". قال مالك: فرق الرجل، أحب إلي. هذا كلام القاضي.

                                                                                                                              والحاصل: أن الصحيح المختار: جواز السدل، والفرق. وأن الفرق أفضل. والله أعلم. قاله النووي.

                                                                                                                              قال عياض: واختلف العلماء في تأويل موافقة أهل الكتاب، فيما لم ينزل عليه شيء؛ فقيل: فعله استئلافا لهم، في أول الإسلام، [ ص: 93 ] وموافقة لهم على مخالفة عبدة الأوثان. فلما أغنى الله تعالى عن استئلافهم، وأظهر الإسلام على الدين كله: صرح بمخالفتهم في غير شيء، منها: صبغ الشيب.

                                                                                                                              وقال آخرون: يحتمل أنه أمر باتباع شرائعهم، فيما لم يوح إليه شيء. وإنما كان هذا، فيما علم أنهم لم يبدلوه. واستدل بعض الأصوليين بهذا الحديث: على أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافه.

                                                                                                                              وقال آخرون: بل هذا دليل على أنه ليس بشرع لنا؛ لأنه قال: "يجب موافقتهم". فأشار إلى أنه إلى خيرته. ولو كان شرعة لنا؛ لتحتم اتباعه، والله أعلم.

                                                                                                                              قال في الفتح: وعلى التسليم، ففي نفس الحديث: أنه رجع عن ذلك آخرا. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية