الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4496 باب في فضائل أبي طلحة الأنصاري، وامرأته أم سليم، رضي الله عنهما

                                                                                                                              وقال النووي: (باب فضائل "أم سليم" أم أنس بن مالك "رضي الله عنهما").

                                                                                                                              (التعريف بأبي طلحة)

                                                                                                                              واسم "أبي طلحة": زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري، الخزرجي، النجاري، عقبي، بدري، نقيب.

                                                                                                                              وأمه: "عبادة" بنت مالك بن عدي.

                                                                                                                              [ ص: 576 ]

                                                                                                                              وهو مشهور بكنيته، وكان زوج "أم سليم" بنت ملحان: "أم أنس بن مالك".

                                                                                                                              وفي "أسد الغابة": أنه لما خطب "أم سليم" قالت له: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد لكنك "امرؤ" كافر، وأنا امرأة مسلمة. ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، لا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعت بامرأة كانت أكرم الناس مهرا من "أم سليم".

                                                                                                                              (وفاته)

                                                                                                                              توفي سنة اثنتين وثلاثين أو أربع وثلاثين.

                                                                                                                              وقال المدائني: سنة إحدى وخمسين.

                                                                                                                              وقيل: إنه كان لا يكاد يصوم -في عهد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم- من أجل الغزو. فلما توفي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: صام "أربعين سنة، لم يفطر إلا أيام العيد. وهو يؤيد قول من قال: إنه توفي سنة إحدى وخمسين "رضي الله عنه".

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص 11-13، ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              عن أنس، قال: مات ابن لأبي طلحة -من أم سليم- فقالت [ ص: 577 ] لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه، حتى أكون أنا أحدثه. قال: فجاء، فقربت إليه عشاء؛ فأكل وشرب. فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك؛ فوقع بها. فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة! أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم؛ ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. قال: فغضب، وقال: تركتني، حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني! فانطلق، حتى أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فأخبره بما كان. فقال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما" قال: فحملت. قال: فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفر -وهي معه- وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر؛ لا يطرقها طروقا. فدنوا من المدينة، فضربها المخاض: فاحتبس عليها "أبو طلحة" وانطلق رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: يقول "أبو طلحة": إنك لتعلم يا رب! أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك -إذا خرج- وأدخل معه -إذا دخل- وقد احتبست بما ترى. قال: تقول "أم سليم": يا أبا طلحة! ما أجد الذي كنت أجد. انطلق، فانطلقنا. قال: وضربها المخاض -حين قدما- فولدت غلاما، فقالت لي أمي: يا أنس! لا يرضعه أحد، حتى تغدو به على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح: احتملته، فانطلقت به إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: فصادفته -ومعه ميسم- فلما رآني. قال: "لعل أم سليم ولدت؟" قلت: نعم. فوضع [ ص: 578 ] الميسم. قال: وجئت به، فوضعته في حجره. ودعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم بعجوة، من عجوة المدينة، فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في "في الصبي" فجعل الصبي يتلمظها. قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى حب الأنصار التمر". قال: فمسح وجهه، وسماه: "عبد الله").

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس، رضي الله عنه؛ مات ابن لأبي طلحة -من أم سليم- فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه، حتى أكون أنا أحدثه. قال: فجاء، فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب. قال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها. فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها؛ قالت: يا أبا طلحة! أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. قال: فغضب، فقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني! فانطلق، حتى أتى رسول الله، صلى الله عليه)وآله (وسلم: فأخبره بما كان. فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما"). أي: ماضيها.

                                                                                                                              (قال: فحملت. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه) وآله [ ص: 579 ] (وسلم، في سفر -وهي معه-وكان رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: إذا أتى المدينة من سفر، لا يطرقها طروقا) أي: لا يدخلها في الليل.

                                                                                                                              (فدنوا من المدينة، فضربها المخاض: فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك -إذا خرج- وأدخل معه -إذا دخل- وقد احتبست بما ترى. قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة! ما أجد الذي كنت أجد، انطلق، فانطلقنا. قال: وضربها المخاض) هو الطلق، ووجع الولادة (حين قدما، فولدت غلاما. فقالت لي أمي: يا أنس! لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. فلما أصبح احتملته، فانطلقت به إلى رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال: فصادفته -ومعه ميسم- فلما رآني، قال: "لعل أم سليم ولدت؟". قلت: نعم. قال: فوضع الميسم). قال: وجئت به، فوضعته في حجره. ودعا رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: بعجوة من عجوة المدينة، فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في "في الصبي" فجعل الصبي يتلمظها) أي: يدير بلسانه، ويحركه، ويتتبع أثر التمر. (قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "انظروا إلى حب الأنصار التمر" قال: فمسح وجهه، وسماه عبد الله).

                                                                                                                              [ ص: 580 ]

                                                                                                                              هذا الحديث سبق شرحه في "كتاب الأدب" في باب تسمية المولود: "عبد الله" في (باب منه).

                                                                                                                              وضربها لمثل "العارية": دليل لكمال علمها، وفضلها، وعظم إيمانها، وطمأنينتها.

                                                                                                                              قالوا: وهذا الغلام الذي توفي هو "أبو عمير" صاحب النغير.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث: استجابة دعاء النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ فحملت بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة. وجاء من ولده: عشرة رجال علماء أخيار.

                                                                                                                              وفيه: كرامة ظاهرة "لأبي طلحة" وفضائل باهرة "لأم سليم".

                                                                                                                              وفيه: تحنيك "المولود" وأنه يحمل إلى صالح ليحنكه، وأنه يجوز تسميته في يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله، وكراهة الطروق للقادم من سفر إذا لم يعلم أهله بقدومه قبل ذلك.

                                                                                                                              وفيه: جواز "وسم الحيوان" ليتميز ويعرف، فيردها من وجدها.

                                                                                                                              وفيه: تواضع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ووسمه بيده الشريفة الكريمة.




                                                                                                                              الخدمات العلمية