الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4550 وقال النووي: (باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة، وأهل بدر، رضي الله عنهم).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص - 54 56 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر -واللفظ لعمرو- "قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا" سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن الحسن بن محمد، أخبرني عبيد الله بن أبي رافع "وهو كاتب علي"، قال: سمعت عليا، رضي الله عنه، وهو يقول: بعثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أنا، والزبير، والمقداد، فقال: "ائتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها" فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، فإذا نحن [ ص: 641 ] بالمرأة. فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتاب.

                                                                                                                              فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين، من أهل مكة: يخبرهم ببعض أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب! ما هذا؟". قال: لا تعجل علي يا رسول الله! إني كنت امرأ ملصقا في قريش (قال: سفيان: كان حليفا لهم، ولم يكن من أنفسها) وكان ممن كان معك من المهاجرين، لهم قرابات يحمون بها أهليهم. فأحببت -إذ فاتني ذلك من النسب فيهم- أن أتخذ فيهم يدا، يحمون بها قرابتي. ولم أفعله كفرا، ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "صدق" فقال عمر: دعني، يا رسول الله! أضرب عنق هذا المنافق. فقال: "إنه قد شهد بدرا. وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم". فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء


                                                                                                                              وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية .

                                                                                                                              وجعلها إسحاق -في روايته- من تلاوة سفيان) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن علي كرم الله وجهه) قال: بعثنا رسول الله، صلى الله عليه) [ ص: 642 ] وآله (وسلم: أنا، والزبير، والمقداد، فقال: ائتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين، هذا هو الصواب، الذي قاله العلماء كافة، في جميع الطوائف، وفي جميع الروايات والكتب.

                                                                                                                              ووقع في البخاري -من رواية أبي عوانة- "حاج" بحاء مهملة والجيم. واتفق العلماء على أنه من غلط "أبي عوانة" وإنما اشتبه عليه "بذات حاج" بالحاء والجيم. وهي موضع بين المدينة والشام، على طريق الحجيج.

                                                                                                                              وأما "روضة خاخ": فبين مكة والمدينة، بقرب المدينة. قال صاحب المطالع، وقال الصائدي: هي بقرب مكة. والصواب: الأول.

                                                                                                                              (فإن بها ظعينة) هي هنا "الجارية" وأصلها: "الهودج" وسميت بها الجارية؛ لأنها تكون فيه.

                                                                                                                              واسم هذه الظعينة: "سارة" مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي.

                                                                                                                              وفي هذا: معجزة ظاهرة لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              (معها كتاب، فخذوه منها، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا): بفتح التاء، أي: تجري (فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتاب. فقلنا لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، فأخرجته من [ ص: 643 ] عقاصها): بكسر العين. أي: شعرها المضفور عقيصة.

                                                                                                                              (فأتينا به رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة، إلى ناس من المشركين، من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. فقال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "يا حاطب! ما هذا؟" قال: لا تعجل علي يا رسول الله! إني كنت امرأ) ملصقا في قريش. (قال سفيان: كان حليفا لهم، ولم يكن من أنفسها) وكان من كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت -إذ فاتني ذلك من النسب فيهم- أن أتخذ فيهم يدا، يحمون بها قرابتي. ولم أفعله كفرا، ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "صدق". فقال عمر: دعني يا رسول الله! أضرب عنق هذا المنافق).

                                                                                                                              فيه: هتك أستار الجواسيس، بقراءة كتبهم، سواء كان رجلا أو امرأة.

                                                                                                                              وفيه: هتك ستر المفسدة، إذا كان فيه مصلحة، أو كان في الستر مفسدة. وإنما يندب "الستر" إذا لم يكن فيه مفسدة، ولا يفوت به مصلحة.

                                                                                                                              وعلى هذا: تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر.

                                                                                                                              [ ص: 644 ]

                                                                                                                              وفيه: أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر: لا يكفرون بذلك، وهذا الجنس كبيرة قطعا؛ لأنه يتضمن إيذاء النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو كبيرة بلا شك؛ لقوله تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله الآية).

                                                                                                                              وفيه: أنه لا يحد العاصي، ولا يعزر، إلا بإذن الإمام.

                                                                                                                              وفيه: إشارة جلساء الإمام والحاكم: بما يرونه، كما أشار عمر بضرب عنق حاطب.

                                                                                                                              ومذهب الشافعي وطائفة: أن الجاسوس المسلم: يعزر، ولا يجوز قتله.

                                                                                                                              وقال بعض المالكية: يقتل، إلا أن يتوب. وبعضهم: يقتل، وإن تاب.

                                                                                                                              وقال مالك: يجتهد فيه الإمام. (فقال: إنه قد شهد بدرا. وما يدريك؟ لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم) زاد في البخاري: فقد وجبت لكم الجنة". أو (فقد غفرت لكم).

                                                                                                                              قال أهل العلم: معناه: الغفران لهم في الآخرة. وإلا فإن توجه على أحد منهم حد أو غيره: أقيم عليه في الدنيا. ونقل عياض الإجماع [ ص: 645 ] على إقامة الحد. وأقامه عمر على بعضهم.

                                                                                                                              قال: وضرب النبي، صلى الله عليه وآله وسلم "مسطحا": الحد وكان بدريا.

                                                                                                                              (فأنزل الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ).

                                                                                                                              وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية. (وجعلها) يعني: الآية (إسحاق في روايته من تلاوة سفيان) يعني: أنه تلاها؛ إشارة إلى أنها نزلت في هذه القصة.

                                                                                                                              زاد البخاري: "فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم". والحديث: فيه دليل على فضيلة أهل بدر، وأنهم مغفور لهم في الآخرة بنص هذه السنة الصحيحة. وفضل الله أوسع، ورحمته أقرب، وما ألطف قول الشاعر:


                                                                                                                              يا بدر أهلك جاروا وعلموك التجري وقبحوا لك وصلي
                                                                                                                              وحسنوا لك هجري فليفعلوا ما يشاؤوا
                                                                                                                              فإنهم أهل بدر






                                                                                                                              الخدمات العلمية