الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              48 [ ص: 110 ] (باب منه) وذكره النووي في الباب السابق

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 242-244 جـ1 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن محمود بن الربيع ، عن عتبان بن مالك ، قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت: حديث بلغني عنك، قال: أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قالوا: ودوا أنه دعا عليه فهلك، وودوا أنه أصابه شر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، وقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه قال: لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فيدخل النار أو تطعمه قال أنس : فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه فكتبه].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              «عن محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك، بكسر العين المهملة وبعدها تاء ثم باء موحدة. وضبطه صاحب المطالع بالضم أيضا. والأول هو الصحيح المشهور الذي لم يذكر الجمهور سواه.

                                                                                                                              (قال: قدمت «المدينة» ، فلقيت، «عتبان» ، فقلت: حديث بلغني [ ص: 111 ] عنك. قال: أصابني في بصري بعض الشيء ) . وفي رواية أخرى «عمى» .

                                                                                                                              فيحتمل أنه أراد ببعض الشيء «العمى» وهو ذهاب البصر جميعه، ويحتمل أنه أراد: ضعف البصر وذهاب معظمه وسماه «عمى» في الرواية الأخرى لقربه منه ومشاركته إياه في فوات بعض ما كان حاصلا في حال السلامة.

                                                                                                                              (فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي؛ فأتخذه «مصلى» قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن شاء الله من أصحابه؛ فدخل وهو يصلي في منزلي ) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى أنه عمي فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: تعال فخط لي مسجدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث.

                                                                                                                              (وأصحابه يتحدثون» بينهم ثم أسندوا عظم ذلك ) بضم العين وإسكان الظاء، أي: معظمه «وكبره» ، بضم الكاف وكسرها؛ لغتان فصيحتان مشهورتان، ورجح عياض الضم؛ وقرأ قوله تعالى: والذي تولى كبره بكسر الكاف، القراء السبعة، وقرئ بضمها في الشواذ.

                                                                                                                              والمعنى: أنهم تحدثوا وذكروا شأن المنافقين، وأفعالهم القبيحة، [ ص: 112 ] وما يلقون منهم، ونسبوا معظم ذلك «إلى مالك بن دخشم» ، بضم الدال وإسكان الخاء وضم الشين. وبعدها ميم، وضبط بالتصغير.

                                                                                                                              قال عياض: رويناه « دخشم» مكبرا «ودخيشم» مصغرا، ورويناه في غير مسلم «بالنون» بدل «الميم» مكبرا، ومصغرا.

                                                                                                                              قال ابن الصلاح: ويقال ابن الدخشن» ، أيضا، وابن دخشم هذا من الأنصار، قال ابن عبد البر: لم يختلفوا أنه شهد «بدرا» وما بعدها من المشاهد، ولا يصح عنه النفاق.

                                                                                                                              قال النووي: وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمانه باطنا وبراءته من النفاق بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري «ألا تراه أنه قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله؟» . فهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه قالها مصدقا بها، معتقدا صدقها، متقربا بها إلى الله تعالى، وشهد له بشهادته لأهل «بدر» ما هو معروف. فلا ينبغي أن يشك في صدق إيمانه.

                                                                                                                              وفي هذه الزيادة رد على «غلاة المرجئة» القائلين بأنه يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد؛ فإنهم تعلقوا بمثل هذا الحديث، وهذه الزيادة تدمغهم.

                                                                                                                              (قال: ودوا أنه دعا عليه فهلك، وودوا أنه أصابه شر ) . وفي بعض الأصول: «بشر» وفي بعضها «شيء» وكله صحيح.

                                                                                                                              وفي هذا دليل على جواز. تمني هلاك أهل النفاق، والشقاق. ووقوع المكروه بهم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، وقال: أليس يشهد [ ص: 113 ] أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه. قال: (لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه.

                                                                                                                              قال أنس: فأعجبني هذا الحديث، فقلت لابني اكتبه؛ فكتبه. )

                                                                                                                              وفي هذا الحديث أنواع من العلم «منها» التبرك بآثار الصالحين «وفيه» زيارة العلماء والفضلاء والكبراء أتباعهم، وتبريكهم إياهم. «وفيه» جواز استدعاء المفضول للفاضل لمصلحة تعرض «وفيه» جواز الجماعة في الصلاة النافلة «وفيه» أن السنة في نوافل النهار «ركعتان» كالليل. «وفيه» جواز الكلام والتحدث بحضرة المصلين ما لم يشغلهم ويدخل عليهم لبسا في صلاتهم أو نحوه. وفيه جواز إمامة الزائر المزور برضاه. «وفيه» ذكر من يتهم بريبة أو نحوها للأئمة وغيرهم ليتحرز منه. «وفيه» جواز كتابة الحديث وغيره من العلوم الشرعية؛ لقول أنس لابنه «اكتبه فكتبه» . بل هي مستحبة.

                                                                                                                              وجاء في الحديث: النهي عن كتب الحديث. وجاء الإذن فيه.

                                                                                                                              فقيل: كان النهي لمن خيف اتكاله على الكتاب وتفريطه في الحفظ مع تمكنه منه. والإذن لمن لا يتمكن من الحفظ.

                                                                                                                              وقيل: كان النهي أولا لما خيف اختلاطه بالقرآن، والإذن بعده لما أمن من ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 114 ] وكان بين السلف من الصحابة والتابعين خلاف في جواز كتابة الحديث، ثم أجمعت الأمة على جوازها واستحبابها. «وفيه» البداءة بالأهم فالأهم، فإنه في حديث عتبان هذا بدأ أول قدومه بالصلاة، ثم أكل. وفي حديث زيارته لأم سليم بدأ بالأكل ثم صلى؛ لأن المهم في حديث عتبان الصلاة، وفي حديث أم سليم دعته للطعام. ففي كل واحد من الحديثين بدأ مما دعى إليه. «وفيه» جواز استتباع الإمام والعالم أصحابه لزيارة أو ضيافة أو نحوها «وفيه» وغير ذلك مما حذفناه.




                                                                                                                              الخدمات العلمية