الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              473 باب تحفة أهل الجنة

                                                                                                                              وهو في النووي، في الجزء الأول، في (باب بيان صفة مني الرجل والمرأة، وأن الولد مخلوق من مائهما).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 226 - 228 ج 3، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي أسماء، الرحبي؛ أن ثوبان - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - ؛ حدثه: قال: كنت قائما - عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - ؛ فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك. يا محمد! فدفعته دفعة، كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني ؟

                                                                                                                              [ ص: 165 ] فقلت: ألا تقول: يا رسول الله! فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه، الذي سماه به: أهله.

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اسمي: محمد، الذي سماني به أهلي».

                                                                                                                              فقال اليهودي: جئت أسألك.

                                                                                                                              فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أينفعك شيء، إن حدثتك ؟ ». قال: أسمع بأذني.

                                                                                                                              فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعود معه، فقال: «سل».

                                                                                                                              فقال اليهودي: أين يكون الناس، يوم تبدل الأرض غير الأرض، والسموات ؟

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم في الظلمة، دون الجسر».

                                                                                                                              قال: فمن أول الناس إجازة ؟

                                                                                                                              قال: «فقراء المهاجرين».

                                                                                                                              قال اليهودي: فما تحفتهم، حين يدخلون الجنة ؟

                                                                                                                              قال: «زيادة كبد النون».

                                                                                                                              قال: فما غذاؤهم، على إثرها ؟

                                                                                                                              قال: «ينحر لهم: ثور الجنة، الذي كان يأكل من أطرافها».

                                                                                                                              [ ص: 166 ] قال: فما شرابهم عليه ؟

                                                                                                                              قال: «من عين فيها، تسمى: سلسبيلا». قال: صدقت.

                                                                                                                              قال: وجئت أسألك عن شيء، لا يعلمه أحد من أهل الأرض، إلا نبي، أو رجل، أو رجلان.

                                                                                                                              قال: «ينفعك، إن حدثتك ؟ ». قال: أسمع بأذني.

                                                                                                                              قال: جئت، أسألك عن الولد ؟

                                                                                                                              قال: «ماء الرجل أبيض. وماء المرأة أصفر. فإذا اجتمعا، فعلا مني الرجل مني المرأة: أذكرا، بإذن الله. وإذا علا مني المرأة، مني الرجل: آنثا، بإذن الله».

                                                                                                                              قال اليهودي: لقد صدقت. وإنك لنبي. ثم انصرف، فذهب.

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد سألني هذا: عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به»).

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ثوبان - مولى رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم -، قال: كنت قائما - عند رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم -، فجاء حبر): بفتح الحاء. وكسرها. لغتان مشهورتان. وهو العالم (من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك، يا محمد ! فدفعته دفعة، كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني ؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله !

                                                                                                                              [ ص: 167 ] فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه. الذي سماه به: أهله.

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: «إن اسمي محمد، الذي سماني به أهلي».

                                                                                                                              فقال اليهودي: جئت، أسألك. فقال له رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: «أينفعك شيء. إن حدثتك ؟ » قال: أسمع بأذني. فنكت: بفتح النون، والكاف، والتاء. معناه: يخط (رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: بعود معه) أي: في الأرض، ويؤثر به فيها. وهذا يفعله المتفكر.

                                                                                                                              وفي هذا دليل: على جواز فعل مثل هذا. وأنه، ليس مخلا بالمروءة.

                                                                                                                              فقال: «سل». فقال اليهودي: أين يكون الناس، يوم تبدل الأرض غير الأرض، والسموات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: «هم في الظلمة، دون الجسر»): بفتح الجيم، وكسرها. لغتان مشهورتان. والمراد به هنا: «الصراط».

                                                                                                                              (قال: فمن أول الناس: إجازة ؟): بكسر الهمزة. أي: جوازا، وعبورا.

                                                                                                                              (فقال: «فقراء المهاجرين». قال اليهودي: فما تحفتهم ؟): بإسكان الحاء، وفتحها. لغتان.

                                                                                                                              [ ص: 168 ] وهي ما يهدى إلى الرجل، ويخص به ويلاطف. وقال إبراهيم الحلبي: هي طرف الفاكهة.

                                                                                                                              (حين يدخلون الجنة ؟ قال: «زيادة كبد النون») هو «النون» بنونين، الأولى مضمومة. وهو «الحوت، وجمعه: «نينان».

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى: «زائدة كبد النون.

                                                                                                                              و «الزيادة، والزائد»: شيء واحد. وهو «طرف الكبد». وهو أطيبها.

                                                                                                                              (قال: فما غذاؤهم ؟) روي على وجهين ؛ أحدهما: بكسر الغين، وبالذال المعجمة.

                                                                                                                              والثاني: بفتح الغين، وبالدال المهملة. قال عياض: هذا الثاني، هو الصحيح. وهو رواية الأكثرين.

                                                                                                                              قال: والأول: ليس بشيء.

                                                                                                                              قال النووي: قلت: وله وجه. وتقديره: «ما غذاؤهم، في ذلك الوقت ؟ » وليس المراد: السؤال عن غذائهم، دائما).

                                                                                                                              [ ص: 169 ] (على إثرها): بكسر الهمزة، مع إسكان الثاء. وبفتحها جميعا.

                                                                                                                              لغتان مشهورتان.

                                                                                                                              (قال: «ينحر لهم: ثور الجنة، الذي كان يأكل من أطرافها». قال: فما شرابهم عليه ؟ قال: «من عين فيها: تسمى سلسبيلا»).

                                                                                                                              قال جماعة من أهل اللغة، والمفسرين: «السلسبيل» اسم للعين.

                                                                                                                              وقال مجاهد، وغيره: هي شديدة الجري. وقيل: هي السلسلة، اللينة.

                                                                                                                              (قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء، لا يعلمه أحد من أهل الأرض. إلا نبي، أو رجل، أو رجلان.

                                                                                                                              قال: «ينفعك، إن حدثتك ؟ » قال: أسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد ؟ قال: «ماء الرجل أبيض. وماء المرأة أصفر. فإذا اجتمعا، فعلا مني الرجل، مني المرأة: أذكرا، بإذن الله) أي: كان الولد ذكرا.

                                                                                                                              (وإذا علا مني المرأة، مني الرجل: آنثا) أي: كان الولد أنثى.

                                                                                                                              وقوله: «آنثا» بالمد في أوله، وتخفيف النون. وقد روي: «بالقصر، وتشديد النون.

                                                                                                                              (بإذن الله. قال اليهودي: لقد صدقت. وإنك لنبي. ثم [ ص: 170 ] انصرف، فذهب. فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: «لقد سألني هذا: عن الذي سألني وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به»).

                                                                                                                              أي أعلمني: جواب سؤاله، في هذا الوقت. وهذا علم من أعلام النبوة.

                                                                                                                              وأورد «ابن القيم» حديث الباب هذا مختصرا، من رواية مسلم، في (الحادي)، في فصل «تحفة أهل الجنة، إذا دخلوها».

                                                                                                                              وقال: وفي البخاري، عن «أنس» - في ذكر سؤال عبد الله بن سلام -، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد الحوت».

                                                                                                                              وفي الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري ؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يكون الأرض - يوم القيامة - خبزة واحدة، يتكفأها الجبار: بيده - كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر - نزلا لأهل الجنة».

                                                                                                                              وفيه ؛ قال: (إدامهم: «ثور، ونون»، يأكل من زيادة كبدهما: سبعون ألفا».

                                                                                                                              [ ص: 171 ] وروى «ابن المبارك»، عن كعب ؛ أنه قال: إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: ادخلوا: إن لكل ضيف جزورا. وإني أجزركم اليوم. فيؤتى بثور، وحوت، فينحر لأهل الجنة») انتهى).




                                                                                                                              الخدمات العلمية