الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5089 باب خلود أهل الجنة وأهل النار فيما هم فيه

                                                                                                                              وأورده النووي، في: (باب جهنم، أعاذنا الله منها).

                                                                                                                              (حديث الباب) وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 186 ج 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عمر )، رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ قال: «إذا صار أهل الجنة: إلى الجنة، وصار أهل النار: إلى النار: أتي بالموت، حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة! لا موت. ويا أهل النار! لا موت. فيزداد أهل الجنة فرحا، إلى فرحهم. ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم»).

                                                                                                                              [ ص: 206 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 206 ] (الشرح)

                                                                                                                              وفي رواية أخرى مرفوعة « يجاء بالموت - يوم القيامة - كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون، وينظرون، ويقولون: نعم. هذا الموت. ثم يقال: يا أهل النار! هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون، وينظرون، ويقولون: نعم. هذا الموت.

                                                                                                                              قال: فيؤمر به، فيذبح. قال: ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود، فلا موت. ويا أهل النار! خلود، فلا موت».

                                                                                                                              قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون وأشار بيده إلى الدنيا
                                                                                                                              - رواه مسلم، عن أبي سعيد الخدري.

                                                                                                                              وروي أيضا، عن عبد الله، مرفوعا: « يدخل الله أهل الجنة: الجنة. ويدخل أهل النار: النار. ثم يقوم مؤذن بينهم، فيقول: يا أهل، الجنة! لا موت. ويا أهل النار! لا موت. كل خالد، فيما هو فيه» .

                                                                                                                              قال ابن القيم: وهذا الأذان. وإن كان بين الجنة والنار، فهو يبلغ جميع أهل الجنة، والنار. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 207 ] وهذا الحديث: قد جمع من التبشير، والإنذار: ما لا يقادر قدره.

                                                                                                                              وفي الباب: أحاديث، في الصحاح والسنن. فيها: ذكر الكبش، والإضجاع، والذبح، ومعاينة الفريقين.

                                                                                                                              قال في (حادي الأرواح): وذلك حقيقة، لا خيال، ولا تمثيل. كما أخطأ فيه بعض الناس: خطأ قبيحا ؛ وقال: «الموت»، عرض. والعرض: لا يتجسم، فضلا عن أن يذبح. وهذا لا يصح.

                                                                                                                              فإن الله سبحانه ينشئ من الموت: صورة كبش، يذبح. كما ينشئ من الأعمال: صورا معاينة، يثاب بها ويعاقب.

                                                                                                                              والله تعالى: ينشئ من الأعراض: أجساما، يكون الأعراض مادة لها. وينشئ من الأجسام: أعراضا، كما ينشئ سبحانه، من الأعراض: أعراضا، ومن الأجسام: أجساما ؛ فالأقسام الأربعة: ممكنة مقدورة: للرب تعالى، وتبارك. ولا يستلزم: جمعا بين النقيضين، ولا شيئا من المحال.

                                                                                                                              ولا حاجة إلى تكلف من قال: إن الذبح لملك الموت. فهذا كله من الاستدراك الفاسد: على الله ورسوله. والتأويل الباطل، الذي لا يوجبه: عقل، ولا نقل.

                                                                                                                              وسببه: قلة الفهم لمراد الله ومراد الرسول من كلامه. فظن هذا القائل: أن لفظ الحديث، دل على أن «نفس العرض»: يذبح.

                                                                                                                              [ ص: 208 ] وظن غالط آخر: أن العرض يعدم ويزول، ويصير مكانه «جسم» يذبح. ولم يهتد الفريقان: إلى هذا القول الذي ذكرناه. وأن الله سبحانه: ينشئ من الأعراض: أجساما، يجعلها مادة لها. كما في الصحاح عنه صلى الله عليه وآله وسلم «تجيء البقرة، وآل عمران - يوم القيامة - كأنهما غمامتان» الحديث.

                                                                                                                              فهذه هي القراءة، التي ينشئها الله سبحانه: غمامتين.

                                                                                                                              وكذلك قوله في الحديث الآخر: «إن ما تذكرون من جلال الله: من تسبيحة، وتحميدة، وتهليلة: يتعاطف حول العرش، لهن دوي كدوي النحل: يذكرن بصاحبهن» ذكره أحمد.

                                                                                                                              وكذلك قوله - في حديث عذاب القبر ونعيمه - للصورة التي يراها، «فيقول: من أنت ؟ فيقول: أنا عملك الصالح»، و «أنا عملك السيئ». وهذا حقيقة، لا خيال.

                                                                                                                              ولكن الله، أنشأ له - من عمله: - صورة حسنة، وصورة قبيحة.

                                                                                                                              انتهى كلامه، رحمه الله تعالى.

                                                                                                                              هذا آخر كتاب الجنة.

                                                                                                                              وفي مسلم: أحاديث في وصفها: غير ما ذكر في هذه الأبواب.

                                                                                                                              وكلام الإمام «ابن القيم» في كتابه (الحادي). وقصيدته النونية: في صفتها، وصفة أهلها: بسيط جدا، لا يحصيه هذا الشرح.

                                                                                                                              [ ص: 209 ] (أوصاف الجنة: مما ورد في الكتاب والسنة). ولكن استحسن عندي: أن أختم هذا المقال: بذكر أن الجنة، فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال. «رزقنا الله: سكناها، خالدة مخلدة».

                                                                                                                              فأقول: قال الله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون .

                                                                                                                              وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» مصداق ذلك في كتاب الله: {فلا تعلم نفس الآية . أخرجه الشيخان.

                                                                                                                              وفي مسلم: نحوه، من حديث «سهل بن سعد الساعدي».

                                                                                                                              وعنه في البخاري مرفوعا: «موضع سوط في الجنة: خير من الدنيا، وما فيها».

                                                                                                                              والأحاديث في هذا الباب: كثيرة، طيبة جدا.

                                                                                                                              [ ص: 210 ] قال «ابن القيم»، رحمه الله: وكيف يقدر قدر دار، غرسها الله تعالى: بيده الكريمة، وجعلها مقرا لأحبائه، وملأها: من كرامته، ورحمته، ورضوانه، ووصف نعيمها: بالفوز العظيم، وملكها: بالملك الكبير، وأودعها: جميع الخير بحذافيره، وطهرها: عن كل عيب، وآفة، ونقص ؟.

                                                                                                                              فإن سألت: عن أرضها وتربتها ؟ فهي المسك، والزعفران. وإن سألت: عن سقفها ؟ فهو عرش الرحمن.

                                                                                                                              وإن سألت عن ملاطها ؟ فهو المسك الأذفر).

                                                                                                                              [ ص: 211 ] وإن سألت عن حصبائها ؟ فهي اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها ؟ فلبنة من فضة، ولبنة من ذهب.

                                                                                                                              وإن سألت عن أشجارها ؟ فما فيها شجرة، إلا وساقها من ذهب، أو فضة. لا من الحطب والخشب.

                                                                                                                              وإن سألت عن ثمرها ؟ فأمثال القلال، ألين من الزبد، وأحلى من العسل.

                                                                                                                              وإن سألت عن ورقها ؟ فأحسن ما يكون، من رقاق الحلل.

                                                                                                                              وإن سألت عن أنهارها ؟ «فأنهار من لبن، لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى».

                                                                                                                              وإن سألت عن طعامهم ؟ «ففاكهة مما يتخيرون. ولحم طير مما يشتهون».

                                                                                                                              وإن سألت عن شرابهم ؟ «فالتسنيم، والزنجبيل، والكافور». وإن سألت عن آنيتهم ؟ فآنية الذهب والفضة، في صفاء القوارير.

                                                                                                                              [ ص: 212 ] وإن سألت عن سعة أبوابها ؟ فبين المصراعين: مسيرة أربعين من الأعوام. وليأتين عليه يوم، وهو كظيظ من الزحام.

                                                                                                                              وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها ؟ فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها.

                                                                                                                              وإن سألت عن ظلها ؟ ففيها شجرة واحدة، يسير الراكب المجد السريع: في ظلها «مائة عام»، لا يقطعها.

                                                                                                                              وإن سألت عن سعتها ؟ فأدنى أهلها: يسير في ملكه وسرره وقصوره [ ص: 213 ] وبساتينه: مسيرة ألفي عام.

                                                                                                                              وإن سألت عن خيامها، وقبابها ؟ فالخيمة الواحدة: من درة مجوفة، طولها: ستون ميلا، من تلك الخيام.

                                                                                                                              وإن سألت: عن علاليها، وجواسقها ؟ فهي غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار.

                                                                                                                              وإن سألت: عن ارتفاعها ؟ فانظر إلى الكوكب الطالع، والغارب في الأفق، الذي لا يكاد تناله الأبصار.

                                                                                                                              [ ص: 214 ] وإن سألت: عن لباس أهلها ؟ فهو الحرير، والذهب.

                                                                                                                              وإن سألت: عن فرشهم ؟ فبطائنها من إستبرق» ومفروشة في أعلى الرتب.

                                                                                                                              وإن سألت: عن أرائكها ؟ فهي الأسرة، عليها البشخانات (وهي الحجال): زرت بأزرار الذهب، فما لهن من فروج ولا خلال.

                                                                                                                              وإن سألت: عن وجوه أهلها، وحسنهم ؟ فعلى صورة القمر).

                                                                                                                              وإن سألت: عن أسنانهم ؟ فأبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم. أبي البشر).

                                                                                                                              وإن سألت: عن سماعهم ؟ فغناء أزواجهم، من الحور العين.

                                                                                                                              [ ص: 215 ] وأعلى منه: سماع أصوات الملائكة. وأعلى منها: سماع خطاب رب العالمين.

                                                                                                                              وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها ؟ فنجائب، أنشأها الله مما يشاء،، تسير بهم حيث شاءوا من الجنان.

                                                                                                                              وإن سألت عن حليهم ؟ فأساور الذهب، واللؤلؤ. وعلى الرؤوس [ ص: 216 ] ملابس التيجان.

                                                                                                                              وإن سألت عن غلمانهم ؟ فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.

                                                                                                                              وإن سألت عن أنسهم، وأزواجهم ؟ فهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب.

                                                                                                                              فللون، التفاح: ما ألبسته الخدود. وللرمان: ما تضمنته النهود. وللؤلؤ المنظوم: ما حوته الثغور. وللدقة، واللطافة: ما دارت عليه الخصور. تجري الشمس في محاسن وجهها، إذا برزت.

                                                                                                                              ويضيء البرق من ثناياها، إذا تبسمت.

                                                                                                                              [ ص: 217 ] إذا قابلت وجهها: فقل ما شئت، في تقابل النيرين. وإن حادثتها: فما ظنك بمحادثة الحبيبين ؟ وإن ضممتها إليك: فما ظنك بتعانق الغصنين ؟. يرى وجهها في صحن خدها، كما يرى في المرأة التي جلاها صيقلها.

                                                                                                                              ويرى مخ ساقها: من وراء اللحم. ولا يستر جلدها ولا عظمها ولا حللها.

                                                                                                                              لو اطلعت على الدنيا، لملأت ما بين السماء والأرض ريحا.

                                                                                                                              [ ص: 218 ] ولاستنطقت أفواه الخلائق: تهليلا وتكبيرا وتسبيحا. ولتزخرف لها: ما بين الخافقين.

                                                                                                                              ولأغمضت عن غيرها: كل عين. ولطمست ضوء الشمس، كما تطمس الشمس: ضوء النجوم.

                                                                                                                              ولآمن من على ظهرها، بالله الحي القيوم. نصيفها على رأسها: خير من الدنيا، وما فيها.

                                                                                                                              ووصالها أشهى إليه: من جميع أمانيها. لا تزداد على تطاول الأحقاب: إلا حسنا وجمالا.

                                                                                                                              ولا تزداد لها - على طول المدى -: إلا محبة ووصالا. مبرأة: من الحمل والولادة، والحيض والنفاس.

                                                                                                                              مطهرة: من المخاط، والبصاق، والبول، والغائط، وسائر الأدناس.

                                                                                                                              [ ص: 219 ] لا يفنى شبابها. ولا تبلى ثيابها. ولا يخلق ثوب جمالها. ولا يمل طيب وصالها ؟ ؛ فقد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح إلى أحد سواه. وقصرت طرفه عليها، فهي غاية أمنيته وهواه.

                                                                                                                              إن نظر إليها: سرته. وإن أمرها: أطاعته. وإن غاب عنها: حفظته. فهو معها في غاية الأماني، والأمان.

                                                                                                                              هذا، ولم يطمثها إنس قبلهم، ولا جان.

                                                                                                                              كلما نظر إليها: ملأت قلبه سرورا. وكلما حدثته: ملأت أذنه لؤلؤا منظوما منثورا.

                                                                                                                              وإن برزت: ملأت القصر والغرفة، نورا. وإن سألت عن السن ؟ فأتراب، في أعدل سن من الشباب. وإن سألت عن الحسن ؟ فهل رأيت: الشمس والقمر ؟

                                                                                                                              [ ص: 220 ] وإن سألت عن الحق ؟ فأحسن سواد، في أصفى بياض، في أحسن حور ؟.

                                                                                                                              وإن سألت عن القدود ؟ فهل رأيت: أحسن الأغصان. وإن سألت عن النهود ؟ فهي الكواعب، نهودهن كألطف الرمان. وإن سألت عن اللون ؟ فكأنهن الياقوت والمرجان.

                                                                                                                              وإن سألت عن حسن الخلق ؟ فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر. فهن أفراح النفوس، وقرة النواظر.

                                                                                                                              وإن سألت عن حسن العشرة، ولذة ما هناك ؟ فهن العرب المتحببات إلى الأزواج: بلطافة التبعل، التي تمتزج بالروح أي امتزاج.

                                                                                                                              فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها: أضاءت الجنة من ضحكها ؟

                                                                                                                              [ ص: 221 ] وإذا انتقلت من قصر إلى قصر، قلت: هذه الشمس، متنقلة في بروج فلكها.

                                                                                                                              وإذا حاضرت زوجها: فيا حسن تلك المحاضرة! وإن خاصرته: فيا لذة تلك المعانقة، والمخاصرة !


                                                                                                                              حديثها السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت
                                                                                                                              ود المحدث أنها لم توجز



                                                                                                                              إن غنت، فيا لذة الأبصار والأسماع! وإن آنست وأمتعت: فيا حبذا تلك المؤانسة، والإمتاع !

                                                                                                                              وإن قبلت: فلا أشهى من ذلك التقبيل.

                                                                                                                              وإن نولت: فلا ألذ ولا أطيب، من ذلك التنويل.

                                                                                                                              هذا ؛ وإن سألت عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية الوجه (المنزه عن التمثيل، والتشبيه) كما ترى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر - كما تواتر عن الصادق المصدوق: النقل فيه وذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد: من رواية جرير، وصهيب،

                                                                                                                              [ ص: 222 ] وأنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد ؟ فاستمع يوم ينادي المنادي: «يا أهل الجنة ! إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته. فيقولون: سمعا وطاعة. وينهضون إلى الزيارة، مبادرين، فإذا بالنجائب، قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها، مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدا. وجمعوا هنالك، فلم يغادر الداعي منهم أحدا: أمر الرب، تبارك وتعالى: بكرسيه، فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة. وجلس أدناهم - وحاشاهم من الدناءة - على كثبان المسك، ما يرون أن أصحاب الكراسي: فوقهم في العطايا.

                                                                                                                              حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم: نادى مناد يا أهل الجنة ! إن لكم عند الله موعدا، يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ما هو ؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار ؟ فبينما هم كذلك، إذ سطع لهم ثور أشرقت له الجنة. فرفعوا رؤوسهم، فإذا الجبار، جل جلاله، وتقدست أسماؤه. قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة ! سلام عليكم» فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم ! أنت السلام، ومنك السلام: تباركت، يا ذا الجلال [ ص: 223 ] والإكرام ! فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى، يضحك إليهم، ويقول: يا أهل الجنة ! فيكون أول ما يسمعون منه، تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب، ولم يروني، فهذا يوم المزيد ؟ فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا. فارض عنا. فيقول: يا أهل الجنة ! لو لم أرض عنكم: لم أسكنكم جنتي. هذا يوم المزيد، فاسألوني. فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك، ننظر إليه. فيكشف الرب، جل جلاله: الحجب ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره: ما لولا أن الله سبحانه، قضى أن لا يحترقوا: لاحترقوا.

                                                                                                                              ولا يبقى في ذلك المجلس أحد، إلا حاضره ربه تعالى «محاضرة، حتى إنه يقول: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا، وكذا، وكذا، وكذا. يذكره بعض غدراته في الدنيا. فيقول: يا رب ! ألم تغفر لي ؟ فيقول: بلى. بمغفرتي بلغت منزلتك هذه»:
                                                                                                                              فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ! ويا قرة عيون الأبرار: بالنظر إلى وجهه الكريم، في الدار الأخرة ! ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة .

                                                                                                                              [ ص: 224 ]

                                                                                                                              فحي على جنات عدن، فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
                                                                                                                              ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم ؟



                                                                                                                              هذا خلاصة أبواب (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح). وكلها مأخوذ من كتب السنة المطهرة.

                                                                                                                              وهذا الإجمال: له تفصيل لطيف، في الكتاب المذكور. وفيما ذكرناه هنا: مقنع وبلاغ لقوم يعلمون.

                                                                                                                              نسأل الله تعالى: الجنة، في عفو وعافية، وحسن خاتمة. ونعوذ به: من النار الحاطمة.




                                                                                                                              الخدمات العلمية