الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              654 [ ص: 289 ] (باب في تسوية الصفوف ) .

                                                                                                                              وزاد النووي: (وإقامتها، وفضل الأول، فالأول منها، والازدحام على الصف الأول، والمسابقة إليها، وتقديم أولي الفضل، وتقريبهم من الإمام ) .

                                                                                                                              (حديث الباب ) .

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 154- 155 ج 4 المطبعة المصرية .

                                                                                                                              [عن عمارة بن عمير التيمي، عن أبي معمر، عن أبي مسعود، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة. ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى. ثم الذين يلونهم. ثم الذين يلونهم" .

                                                                                                                              قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح) .

                                                                                                                              (عن أبي مسعود رضي الله عنه: (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ) أي: يسوي مناكبنا في الصفوف، ويعدلنا فيها، ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم".

                                                                                                                              "فيه" استحباب التسوية، واعتناء الإمام بها، والحث عليها، والنهي عن الاختلاف.

                                                                                                                              [ ص: 290 ] وأن اختلاف الظاهر، ينجر إلى اختلاف الباطن.

                                                                                                                              "وليلني" بكسر اللامين، وتخفيف النون: من غير ياء قبل النون.

                                                                                                                              ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون، على التوكيد.

                                                                                                                              "منكم أولو الأحلام والنهى" بضم النون. معنى: "العقول"، "وأولو الأحلام" هم العقلاء. وقيل: "البالغون".

                                                                                                                              وعلى الأول يكون اللفظان، بمعنى واحد، وعطف أحدهما لما اختلف اللفظ على الآخر تأكيدا.

                                                                                                                              قال أهل اللغة: واحدة النهى "نهية" بضم النون، وهي "العقل" ورجل نه، ونهي. من "قوم نهين".

                                                                                                                              وسمي العقل: "نهية" لأنه ينتهي إلى ما أمر به، ولا يتجاوز. وقيل لأنه ينهى عن القبائح.

                                                                                                                              قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النهى مصدرا "كالهدى"، وأن يكون جمعا "كالظلم".

                                                                                                                              قال: "والنهى" في اللغة. معناه: الثبات، والحبس. ومنه: النهي؛ "والنهي" بكسر النون، وفتحها. "والنهية" للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع.

                                                                                                                              قال الواحدي: فرجع القولان في اشتقاق "النهية" إلى قول واحد. وهو "الحبس" "فالنهية" هي التي تنهى وتحبس عن القبائح. والله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 291 ] "ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

                                                                                                                              في الحديث، تقديم الأفضل، فالأفضل، إلى الإمام. لأنه أولى بالإكرام. ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف: فيكون هو أولى.

                                                                                                                              ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على "السهو" لما لا يتفطن له غيره. وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها. وينقلوها ويعلموها الناس.

                                                                                                                              وليقتدي بأفعالهم من وراءهم.

                                                                                                                              ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة: أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام، وكبير المجلس.

                                                                                                                              كمجالس العلم، والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء، وإسماع الحديث ونحوها. ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم، والدين، والعقل، والشرف، والسن، والكفاءة، في ذلك الباب.

                                                                                                                              والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك.

                                                                                                                              (قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافا ) .

                                                                                                                              يريد: زمانه. فكيف بهذا الزمان الذي عاد الإسلام فيه غريبا، وأي غريب؟ درس فيه معالم السنن كلها.

                                                                                                                              وفي حديث النعمان بن بشير عند مسلم: "لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم".

                                                                                                                              أي: يمسخها، ويحولها عن صورها، أو يغير صفاتها.

                                                                                                                              [ ص: 292 ] والأول أظهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:

                                                                                                                              "يجعل الله صورته صورة حمار".

                                                                                                                              وقيل: معناه: يوقع بينكم العداوة، والبغضاء، واختلاف القلوب.

                                                                                                                              لأن مخالفتهم في الصفوف، مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر: سبب لاختلاف البواطن.

                                                                                                                              وقد وقع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              وورد في الحديث: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" رواه مسلم عن أنس.

                                                                                                                              ولفظ أبي هريرة عنده: "فإن إقامة الصف من تمام الصلاة".

                                                                                                                              وفي حديث النعمان بن بشير عنده أيضا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القداح".

                                                                                                                              بكسر القاف. وهي: خشب السهام، حين تنحت، وتبرى.

                                                                                                                              وقد صارت هذه السنة الصحيحة، المحكمة الصريحة، في هذا العصر؛ بل منذ أعصار خالية، مهجورة كأنها شريعة منسوخة، لا يرى لها عين، ولا أثر، في صلاة ولا في مسجد.

                                                                                                                              ودب من هذا الاختلاف الظاهر، الاختلاف في بواطن المسلمين.

                                                                                                                              وكان أمر الله قدرا مقدورا فإنا لله وإنا إليه راجعون.




                                                                                                                              الخدمات العلمية